الأربعاء، 29 يناير 2014

حول كتاب " ثورة العقل " للدكتور عبد الستار الراوي



فرقة المعتزلة ، لم يرتبط هذا الاسم سابقاً في ذهني إلا وانه يدل على الخطأ المطلق ، فإذا ما كان هناك رأي واتضح لي انه للمعتزلة استبعده تماماً ، وكان هذا شيئاً طبيعياً كوّن قرائتي في اراء المذاهب عبارة عن تسليم مطلق لرأي مذهبي السُنّي وعلمائه ، وكما هو واضح من المعركة الفكرية التي حدثت بين المعتزلة والسنة عندما انشق من فرقة المعتزلة أبو الحسن الأشعري مؤسس المذهب الأشعري وكانت جل اعماله في نقض المذهب المعتزلي ، واستخدم هذا المذهب الأخير الغلو في الرد ونسبة اقوال للمعتزلة هم منها براء . واصبحوا المعتزلة كأنهم دخلاء على الإسلام والسبب في ذلك انهم يستخدمون العقل ! وإن كنت تريد أن تشتم احداً فقل له يا معتزلي !

بعد التعمق - قليلاً - في قراءة اراء المذاهب ، والتخلي عن مبدأ التسليم ، وبعد التيقن أن ليس هناك مذهباً يملك الحقيقة المطلقة ، والتحلي بمباديء كـ " كل يأخذ منه ويرد " و " الحق أحق أن يتبع " و " لا تنظر في من قال بل في ما قال " وبعد معرفة الأحوال السياسية في العصر الأموي والعباسي والتي لعبت دوراً كبيراً في شيوع الأفكار ودفنها ، وبروز الأفكار التي تخدم الطغاة واندثار ما لا يخدمهم ، كان أول لقاء فعلي جمعني مع المعتزلة عند بحثي في موضوع قدم العالم وحدوثه ، فكان لابد من التعرض لآرائهم لما كان لهم دور بارز في علم الكلام ، فعلى سبيل المثال وفي موضوع الطبيعيات " ظهرت فكرة الجوهر الفرد في الفكر الكلامي على يد ابي الهذيل العلاف احد رجال المعتزلة ، ثم اخذ بها اكثر المعتزلة وقد انتقلت إلى المذهب الأشعري والماتريدي .. " (١) ومن ثم الانتقال للرأي المعتزلي المخالف للجوهر الفرد والذي حمل لوائه ابراهيم بن سيّار النظّام ، صاحب نظرية الكمون والطفرة ، وكما يُقال في علم الكلام ثلاثة مسائل معقدة : كسب الاشعري وطفرة النظام واحوال ابي هاشم .

قررت بعدها أن اقرأ عن اصول هذا المذهب واراء علمائه ، ولكن هذه المرة لهم لا عنهم ، أو على الأقل من وجهة نظر محايدة ، فاخترت كتاب " ثورة العقل " للدكتور عبد الستار الراوي ، وبعد قراءة الكتاب يمكنني ان اقول الآتي :

سبق المعتزلة عصرهم وذلك لإعتمادهم الكبير على العقل ، وعدم انغلاقهم على النصوص والاكتفاء بظاهر الآيات ، بل كانوا منفتحين حتى على الحضارات والأديان الآخرى وذلك لإتساع رقعة الإسلام فكان لابد من التعاطي مع العقائد الآخرى ولا يكون ذلك إلا بالعلوم العقلية ، ونلاحظ ذلك في مؤلفات المعتزلة التي لم تصلنا اغلبها للأسف .

والتشغيب الذي حاولت بقية المذاهب اثارته على المعتزلة لاعتمادهم على العقل لا معنى له ، فالمعتزلة كبقية المسلمين يرون ان القرآن حق ، ولكن العقل يتقدم على النقل ترتيباً لا تشريفاً . أما بالنسبة للأحاديث فإنهم وافقوا الجمهور على أن احاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد .

ويعرض الكاتب مدرستَي المعتزلة ، البصرية والبغدادية ومميازة كل مدرسة عن الآخرى ، كذلك اعلام كل من المدرستين وأهم آرائهم ، ومن اهم اعلام مدرسة البصرة : واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم بن سيار النظّام . أما اعلام المدرسة البغدادية : بشر بن المعتمر وثمامة بن الأشرس والجعفريين وأبو جعفر الاسكافي وأبو الحسين الخياط وأبو القاسم الكعبي .

بعد آرائهم  ربما سيتبادر في ذهنك السؤال التالي : لماذا استمرت هذه الفرقة لـ ١٠٠ عام فقط ، رغم انها تمتلك كل المقومات للبقاء ؟

يجيب الكاتب على ذلك ولكنه برأي لم يعطي لأهم سبب القدر الكافي وهو دخول معتزلة بغداد وتورطهم في السياسة ، بعكس معتزلة البصرة الذين كانوا حتى يرفضون تولي القضاء ، فلم يكتفي معتزلة بغداد في التوغل في مناصب الدولة والتقرب إلى الحاكم في زمن المأمون والواثق، بل فرضوا ارائهم على المخالفين سواء العوام أو العلماء بالقوة ، وحاولوا نشر مذهبهم بهذه الطريقة ، ولعل ابرز ما يوضح ذلك هي محنة خلق القرآن والتي ذاق منها الناس ذرعاً لدرجة أن هناك من ازهقت روحه وهناك من عُذّب وأخرون اعفوا من منصابهم . إلى جانب انتشار في المدرسة البغدادية التطرف والتكفير والتعنيف في الرد على الخصوم ومثال ذلك رأي أبو موسى المردار بتكفير من يقول بالجبر وتكفير الشاك في كفره والشاك في الشاك إلى ما لا نهاية .
إلى ان اتى المتوكل وانهى عن الجدال وهدد المعتزلة ولاحقهم (٢) ، فالتف الناس من حوله معتبرينه محررهم من الكبت الذي كانوا يعيشونه حتى انهم اطلقوا عليه " ناصر السنة " رغم انه كان يسرف في القتل والشرب وشغوفاً بالنساء .

الأمر الاخر الذي ذكره الكاتب والذي ادى إلى تلاشي فكر المعتزلة الانشقاقات المؤثرة التي حدثت في صفوفهم ، كأبو الحسن الاشعري الذي كان معتزلياً ثم ترك المذهب وألّف العديد من الكتب التي تنقض اراء المعتزلة ، كذلك ابن الراوندي الذي كان من اعلام المعتزلة ثم ما لبث إلى أن ترك المذهب وكتب كتابه " فضائح المعتزلة " 

كذلك انتصار التيار النقلي على العقلي وكان الفضل يعود لأبو حامد الغزّالي الذي اشاد بالمذهب الأشعري وسفه آراء المعتزلة والفلاسفة .

ولا يعني ذلك أن المعتزلة لم يكونوا قادرين على الرد بالحجة ، وانما كانوا ملاحقين مهددين بقطع رؤوسهم اذا ما كشفوا عن ارائهم .

الآن البعض يتحدث عن أهمية عودة الفكر المعتزلي ، واقول اننا بحاجة إلى فكر حر وليس اتباع مذهب معين ، فحتى المعتزلة وفي نفس المدرسة  كانوا مختلفين فيما بينهم ، وكل شخص يرد على الآخر .





لتحميل الكتاب :

http://www.booksjadid.com/2013/09/pdf_4420.html





-------------------------------

١- التصور الذري في الفكر الفلسفي الإسلامي ، د.منى أحمد ابو زيد

٢- الكامل في التاريخ لابن اثير ج ٦ ص ١٣٩ بترتيب المكتبة الشاملة





هناك 3 تعليقات:

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف