نشرت صحيفة الشبيبة بتاريخ ١٥ من شهر فبراير خبر عنونته ب " مجلس الوزراء يطالب اخضاع مقترح المحكمة الدستورية للدراسة " وخلاصة الخبر أن مجلس الوزراء رفض مقترح إنشاء المحكمة الدستورية . وهذا الخبر غير مفاجيء وليس مستبعد اطلاقاً ، فلقد بح صوتنا بالقول أن لدينا مشكلة وفجوة عميقة في السلطة التشريعية ، وأن التعديلات الأخيرة لم تكن إلا بمثابة توسعه المسرح وزخرفته .
إن السلطة التشريعية وآلية التشريع لم تتغير بعد التغييرات الأخيرة على النظام الأساسي للدولة ، فبتاريخ ٢٠ من شهر مارس لعام ٢٠١٢ اقر مجلس الدولة " بالأغلبية المطلقة " مقترح إنشاء المحكمة الدستورية ، وتمت على أثره الدراسات والمناقشات والملاحظات ، وتم الإشادة بالأعضاء واستبشر الناس بهذه الخطوة والتي تعد بالتأكيد خطوة للأمام وهلل الناس وفرحوا وتحدثوا عن أهمية هذا المقترح ، ولكن وبعد سنتين لم تشفع كل هذه الأمور أمام السلطة التنفيذية المتنفذة في رفض الإقتراح في عشية وضحاها .
وإن تحدثنا للأسباب التي من خلالها تذرع مجلس الوزراء لرفض اقتراح المحكمة الدستورية سنجد انها متناقضة ، فالسبب الأول أن الإقتراح بحاجة إلى مزيد من الدراسة لأهمية الخطوة كونها تتعلق بمسائل دستورية وتنظر في تضارب المراسيم مع النظام الأساسي للدولة .
أما السبب الثاني هو نقص الخبرات في مجال المحاكم الدستورية لعدم وجود محاكم دستورية في دول الجوار للإستفادة منها !
فبالنسبة للسبب الأول فأنا اتعجب كيف أن لهذه المحكمة الدستورية أهمية كبيرة إلا إننا في عام ٢٠١٤ وما زلنا لا نملك محكمة دستورية ! فمجلس الوزراء يقيس أهمية المحكمة بدراستها لا بوجودها بالتالي دراستها لمدة قرن من الزمان خير من وجودها !
أما السبب الثاني والذي يناقض السبب الأول يذكرني بخريج الجامعة أو الكلية الذي يبحث عن عمل ولكنه لا يجد بسبب أن الوظائف المتاحة تحتاج إلى خبرة ، فيعيش حياته في حيرة فكيف له أن يكتسب خبرة وهذه الخبرة لا تأتي إلّا بالعمل والعمل يتطلب خبرة ، فيظل في هذه الدائرة إلى ما شاء الله .
ولكن مجلس الوزراء لم يكتفي بهذه الدائرة المفرغة بل دخل في اخرى وتحلى بصفة الإيثار فكيف يتسنى له أن يتقدم دول الجوار وينشأ محكمة دستورية ، وربما كان هذا لسان حال كل دول الجوار ، فلعل كل دولة تتذرع بأن دول الجوار ليست لديهم تجربة ، وكل دولة تنتظر اختها وكأن ليست كل دولة ذات سيادة ونظام خاص بها .
أقول هذا الكلام مع علمي أن دولة الكويت لديها محكمة دستورية منذ عام ١٩٧٣ ولكن وكما يقول المثل العماني : " رابع الكذاب إلى رز الباب " .
اجد هذا القرار الصادر من مجلس الوزراء طبيعياً وإن كنت متعجباً فعجبي انه يسبب الرفض فكان بإمكانه أن يرفض دون أي تسبيب ، واعتقادي أن السبب الحقيقي وراء الرفض أن أي فكرة جديدة لابد أن تجد من يعارضها ومن بين هؤلاء المعارضين ستجد اصحاب المصالح الذين يخشوا أن تختفي مصالحهم أو اصحاب الإصدارات الخرِفه الذين ما زالوا يعيشون بعقولهم في القرن العاشر وبجسدهم في القرن العشرين . وما زاد الطين بللاً أن النظام الأساسي للدولة يساهم في إعاقة الأفكار التي من شأنها أن تخدم الشعب وتدفعه إلى الأمام فمن خلاله تم تهميش السلطة التشريعية بشكل واضح ولم يجعل له كلمة إلا بإذن السلطة التنفيذية . وإن كنا نعلق أملنا بوجود محكمة دستورية حتى يرى مجلس الوزراء أن الدراسة قد اكتملت فاعتقد أن الله لن يرزقنا برؤيتها وستظل قيد الدراسة متنقلة بين الأدراج لمدة طويلة من الزمن .
إن الاحداث التي نمر بها تجعلني متأكداً أن الخلل يكمن في النظام الأساسي للدولة وإن ترقيعه لم يجدي نفعاً ، فإن كنا نبحث حقيقة عن الإصلاح ومستقبل الوطن فلابد من تعديل النظام الأساسي للدولة بما يتوافق مع العصر الحديث ، أو وضعه في متحف واستبداله بآخر جديد ، والأمر الثاني اجده اقرب للصواب ، لأنه لو استمر الحال على هذا النحو فليس هناك أي مؤشر أن الوضع سيتغير .
المحكمة الدستورية في ذمة الدراسة