إني أرى في المنام أني أذبحك
المقدمة:
تعلمنا وسمعنا منذ أن كنّا صغارًا قصة ابتلاء النبي إبراهيم عندما أمره الله بذبح ابنه، وكيف لهما أن انساقا لرغبة الله، ونفّذا ما أمرهما
طوعًا، وقد اجتازا الاختبار بسهولة، فأجزاهم الله خير الجزاء.
كانت القصة سهلة، وبسيطة، وجميع التساؤلات التي نتساءلها
يُجاب عليها بإجابات معلبّة وحتمية، إجابات لا يطرقها الشك، ومغلّفة بالقدسية
والعصمة الإلهية، فنريح ونستريح من هذه التساؤلات.
بدأ اهتمامي بهذه الملحمة العظيمة عند قراءتي لكتاب (الخوف والرعشة) لسورن كيركجورد، ونيّة الكاتب كما جاء في
كتابه: (ما أنويه الآن هو أن استخلص من قصة إبراهيم على شكل مشكلات الملامح الديالكتيكية
التي تكمن في قصة إبراهيم، لكي أرى مفارقة الإيمان المدهشة، المفارقة التي تجعل
جريمة قتل فعلًا مقدسًا وعملًا يسعد الله، مفارقة تعيد إسحاق إلى أبيه، والتي لا
يمكن لأي فكر أن يفهمها، لأن الإيمان يبدأ بالضبط حيثما يكف التفكير) (1)
وقد طرح كيركجورد ثلاث مشكلات، وهي مشكلات أثارها هيجل
في قصة إبراهيم (2) وهي:
1- تعطيل الغائي للأخلاقي.
2- الواجب المطلق تجاه الله
3- المسوغ الأخلاقي لإبراهيم في إخفاء هدفه عن زوجته
سارة، اليعازر، وعن إسحاق.
ليس المهم في هذا المقال عرض آراء كيركجورد أو هيجل،
بقدر ما نريد أن نسجل ملاحظة، وهي أن هذه المشكلات هي مشكلات حقيقية سنواجهها نحن
كذلك، إذا ما اعتمدنا على القصة التي تعلمناها في المدارس، وسمعناها في المنابر،
ولكن هذه المشكلات لن نواجهها إذا ما عدنا إلى القرآن، وقرأنا القصة لا للتسلية،
وإنما لأخذ العبرة والعظة.
القصة
الواردة في سفر التكوين الإصحاح الثاني والعشرون:
1 وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ
إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا».
2 فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ،
إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى
أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ».
3 فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ،
وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا
لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ.
4 وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ
وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ،
5 فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا
ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ،
ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا».
6 فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ
عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا
مَعًا.
7 وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا
أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ،
وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟»
8 فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ
يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا.
9 فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ
اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ
ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ.
10 ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ
لِيَذْبَحَ ابْنَهُ.
11 فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ:
«إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا»
12 فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ
تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ
ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي».
13 فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ
وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ
الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ.
ويلاحظ من القصة الواردة في سفر التكوين المشكلات التي
ناقشها كيركجورد، وهي أمر الله الصريح لإبراهيم، وامتثال إبراهيم للأوامر دون
مناقشة بل سلّم بها تسليمًا مطلقًا، وإخفاء إبراهيم نيته بذبح ابنه ولم يستشره في
الموضوع.
القصة
الواردة في القرآن الكريم بسورة الصافات:
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿100﴾ فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿101﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿102﴾ فَلَمَّا أَسْلَمَا
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿103﴾ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿104﴾ قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿105﴾ إِنَّ هَٰذَا
لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴿106﴾ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴿107﴾ وَتَرَكْنَا
عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿108﴾
الفرق
بين القصة الواردة في سفر التكوين والقرآن الكريم:
لعلّ أبرز أوجه الاختلاف في القصتين:
1- في سفر التكوين كان الأمر الإلهي واضحًا «خُذِ ابْنَكَ
وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ
هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». بينما جاء في
القرآن الكريم أن النبي إبراهيم رأى رؤيا في منامه (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)
2- في سفر التكوين صُرّح بأن الابن هو إسحاق (خُذِ ابْنَكَ
وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ) بينما لم يبين في القرآن الكريم من هو
الابن (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿101﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ
يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)
3- في سفر التكوين لم يستشر إبراهيم إسحاق، وإنما شرع في
الذبح (ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ.) بينما في القرآن الكريم استشار إبراهيم
ابنه، ودار بينهما حوارًا: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي
أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
﴿102﴾
4- في سفر التكوين تم الفداء بكبش (فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ
عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ،
فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ)
بينما في القرآن الكريم ذكر أنه ذبح عظيم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
إن "المشكلات" التي ناقشها كيركجورد غير
منطبقة على القصة التي جاءت في القرآن الكريم، ولكنها حتمًا ستكون مشكلات قائمة
إذا ما اعتمدنا القصة من مصادر أخرى كما وردت في كتب التفاسير –كما سنوضح- أو الذي
تعلمناه في المدرسة أو ما سمعناه على المنابر.
النبي إسماعيل
أم النبي إسحاق:
يكاد لا يخلو كتاب من كتب التفاسير من التعرض لهذا الجدل
القائم حتى يومنا هذا، فمن هو الذبيح، إسماعيل أم إسحاق؟ وقد اختلف المفسرون منذ
القدم وذهبوا إلى ثلاثة مذاهب رئيسة: (أ) الذبيح هو إسحاق (ب) الذبيح هو إسماعيل (ج)
التوقف.
يقول فخر الدين الرازي: (اختلفوا في أن هذا الذبيح من هو؟
فقيل إنه إسحاق وهذا قول عمر وعلي والعباس بن عبد المطلب وابن مسعود وكعب الأحبار وقتادة
وسعيد بن جبير ومسروق وعكرمة والزهري والسدي ومقاتل رضي الله عنهم، وقيل إنه إسماعيل
وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي ومجاهد والكلبي) (3)
وفي الحقيقة، غير مهم لدينا من هو ابن إبراهيم في القصة
أو الذبيح، ولا نود في هذا المقال تغليب رأي على رأي آخر، ولكن ما يهمنا في هذا
الباب:
أولًا أن نبيّن في أن الاختلاف فيمن هو الذبيح هو خلاف قديم، بل إن الرأي
الغالب هو الرأي الذي يقول أنه إسحاق، ولا يعني أن من يقول أنه إسحاق فهو مطبّع،
كما وصم أحد القائلين المعاصرين بهذا الرأي!
ثانيًا، أن نحرر هذا الخلاف ومنشأه من زاوية أخرى،
ولماذا تمسك بعض المفسرين بالقول إنه إسحاق، ولماذا تمسك الطرف الآخر على أنه إسماعيل.
أما رأينا فهو التوقف كما قال الزجّاج: (الله أعلم) ونقول كما قال الله في القرآن:
ابنه، والله أعلم من كان، ولا يهم من كان، فلو كان الأمر مهمًا لذكره الله، ولكنه
لم يذكره ليلفت انتباهنا إلى ما هو أهم، بدلًا من الخلاف الذي نشب بين المفسرين
الذي لم يخرج منه بنتيجة، فإن كان إسحاق لم يتغيّر شيء، وكذلك إن كان إسماعيل.
في البدء كان الأغلبية من المفسرين وحتى عوام الناس
يقولون ويعتقدون أن الذبيح هو إسحاق، فكما يقول السمرقندي: (والظاهر عند العامة هو
إسحاق) (4)
ولا توجد آية صريحة تقول أن الذبيح هو إسحاق، وإنما
الإشارات في القرآن الكريم قد تحتمل إسحاق أو إسماعيل، ولكن يتضح فيمن قال أن
الذبيح هو إسحاق قد تأثر تأثرًا شديدًا بالإسرائيليات، والتي حشوها حشوًا في كتب
تفسيرهم، بل إن بعض الروايات جاءت لتتوافق مع سفر التكوين، لتتصدر روايات كعب
الأحبار المشهد، وجميعها روايات ركيكة لا يُستند عليها، ولسنا بحاجة إلى حرف واحد
منها بتعبير ابن كثير الذي قال في حق الروايات الواردة في هذه القصة: (وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار
فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عن كتبه قديما فربما استمع
له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها
وليس لهذه الأمة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده) (5)
ومع قدوم الدولة الأموية، وتصاعد النعرة القومية العربية
–إن صح التعبير- بدأ القول أن الذبيح هو إسماعيل (أبو العرب) ولإعلاء شأنه قالوا
أنه هو الذبيح، وأصبحت المسألة مسألة تفاخر بالأنساب، ونسبوا إلى الرسول أحاديث لا
تصح عنه معارضة بذلك القرآن الكريم الذي يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات/13)
وما يدل على ذلك فيما يروى عن معاوية بن أبي سفيان مؤسس
الدولة الأموية: (عن الصنابحي، قال: كنا عند معاوية بن أبي سفيان، فذكروا الذبيح إسماعيل
أو إسحاق، فقال: على الخبير سقطتم: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل،
فقال: يا رسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين; فضحك عليه الصلاة والسلام
; فقلنا له: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم،
نذر لله لئن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده، قال: فخرج السهم على عبد الله، فمنعه
أخواله، وقالوا: افد ابنك بمئة من الإبل، ففداه بمئة من الإبل، وإسماعيل الثاني)
(6)
وفي رواية أخرى تدل أن المسألة أصبحت تفاخر بالأنساب: (عن
محمد بن كعب القرظي، أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة، إذ كان معه
بالشام فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه، وإني لأراه كما هو; ثم أرسل إلى
رجل كان عنده بالشام كان يهوديا، فأسلم فحسن إسلامه، وكان يرى أنه من علماء يهود، فسأله
عمر بن عبد العزيز عن ذلك، فقال محمد بن كعب: وأنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال له
عمر: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل والله يا أمير المؤمنين، وإن يهود لتعلم
بذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه، والفضل
الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق، لأن إسحاق
أبوهم، فالله أعلم أيهما كان، كل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لربه.) (7)
القصة في
القرآن الكريم:
نود في هذا المقال أن نقرأ قصة النبي إبراهيم مع ابنه من
القرآن الكريم، دون الركون إلى الكم الهائل من الإسرائيليات التي أدخلت فيها، وفي
البداية نود أن نشير إلى نقطتين:
أ- أن مصدر القصص القرآني هو القرآن وحده، وأن القصص
للعبرة والعظة، وذلك لقول الله عزّ وجل: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)
(يوسف/3) وقوله عزّ وجل: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ
ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
(يوسف/111)
ب- أن الأنبياء بشر، وذلك لقوله عز وجل: (قَالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ
مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (إبراهيم/11) وقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ
يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) (الكهف/110) وقوله: (قُلْ سُبْحَانَ
رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا) (الإسراء/93)
(رَبِّ هَبْ
لِي مِنَ الصَّالِحِينَ):
عندما كاد قوم إبراهيم به، اعتزلهم، وقرر أن يهاجر إلى
ربه؛ ليهديه. وبعد اعتزاله لقومه، شعر بالوحدة، فلم تكن له ذرّيه، كما بلغ من
الكبر عتيًا، فدعا ربه على الكبر أن يرزقه من يؤنّس وحشته، وأن يكون من
الصالحين، فسمعه ربه، واستجاب لدعائه، فحمده إبراهيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ
لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) (إبراهيم/93) فأحبّ إبراهيم ابنه،
الذي بشّره الله به، فلا توجد أعظم بشارة من بشارة الله.
(فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ):
كبر الابن، وترعرع في كنف أبيه، وسعى معه مشيًا، وسعى
معه في العبادة، وأصبح عاقلًا تقوم عليه الحجة (8) بل وأصبح تام العقل، يفكّر،
ويرجّح، ويميّز.
(قَالَ يَا
بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)
رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه، وقد تكررت هذه
الرؤيا لأكثر من مرة،
ولهذا قال: (أرى) (9) ولم تكن رؤيا لمرة واحد كما قال يوسف لأبيه (رأيت): (إِذْ قَالَ
يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف/4).
لقد عاش إبراهيم مع قومه الذين عبدوا الأصنام، ويقدمون
لها القرابين البشرية، لقد شاهد إبراهيم ذلك منذ صغره، وإن أنكره؛ فقد ظلّ معلقًا في عقله الباطن.
يقول عبد الكريم يونس الخطيب: (قيل إن إبراهيم- عليه السلام-
حين تلقى هذه البشرى من ربه، رأى أن يكون شكره لله، على هذا الإحسان، وهذا اللطف، بالمبادرة
بالاستجابة لما طلب- رأى أن يكون شكره لله أن يقدم هذا الولد قربانا لله.. وكانت تلك
عادة أهل هذا الزمن، في المبالغة في التقرب إلى الله) (10)
وما يهم هي العبارة الأخيرة: (وكانت تلك عادة أهل هذا الزمن،
في المبالغة في التقرب إلى الله)، أما عمّا "قيل" في البشارة فلا دليل
عليه ومستبعد، فكيف يشكر إبراهيم ربه بهذه الطريقة، وهو من قام بالدعاء له بأن يهب
له من الصالحين؟
ويقول محمد شحرور: (إن تقديم القرابين البشرية للآلهة
قبل عهد إبراهيم كان ظاهرة شائعة في العديد من بقاع العالم، وفي أغلب الهياكل
والمعابد (...) وعندما اهتدى إبراهيم للذي فطر السموات والأرض حنيفًا (...) احتار
ماذا يفعل ليقترب من هذا الإله (...) ظلت فكرة تقديم القربان تدور في رأس إبراهيم
حتى سيطرت عليه، وبدأ يرى في المنام أنه يذبح ابنه) (11)
ونختلف مع رأي محمد شحرور في أن إبراهيم قد احتار، وأنه
كان يفكر بوعيه بتقديم ابنه كقربان، والصحيح أنه لم يفكر في تقديم القربان بوعي
منه، وإنما كانت الفكرة في عقله الباطن؛ ولهذا تكررت الرؤيا في منامه.
(فَانْظُرْ
مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
وبعكس ما ورد في سفر التكوين، فإن إبراهيم وبعد تكرر الرؤيا تشاور مع ابنه، واخبره عن الرؤيا التي تكررت، وقال له: (فانظر ماذا ترى)
ليستشيره، ولم يكن كما قال بعض المفسرين من أنه ليكتشف عزم ابنه، بل لأن إبراهيم
كان مترددًا، ومتشككًا؛ فقد كان ذلك هو منهجه عند رؤيته للكوكب والشمس والقمر،
وعندما طلب من الله أن يريه كيف يحي الموتى (12) ليأتي الرد من ابنه، (يا أبت افعل
ما تؤمر) لا ما تراه في منامك.
وينقل عبد الكريم القشيري قول متسق مع الآية: («يا أبت افعل
ما تؤمر» : أي لا تحكم فيه بحكم الرؤيا، فإنها قد تصيب وقد يكون لها تأويل، فإن كان
هذا أمرا فافعل بمقتضاه، وإن كان لها تأويل فتثبت، فقد يمكنك ذبح ابنك كل وقت ولكن
لا يمكنك تلافيه.) (13)
وقد قال أغلب المفسرين أن الرؤيا كانت وحيًا، ولكن هذا
القول يناقض القرآن من عدة أوجه: (14)
(أ) لو كانت وحيًا لما تردد إبراهيم، ولقام بالفعل من
أول رؤيا مناميّة.
(ب) لو كانت وحيًا لما استشار إبراهيم ابنه.
(ج) لو كانت وحيًا لما قال ابنه (يا أبت افعل ما تؤمر)
ولقال ما رأيت أو ما أوحي إليك.
(د) لا يتصوّر من أن الله يأمر نبي بأن يقتل ابنه، والله
عزّ وجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/90)
(ه) لا يتصوّر أن يأمر الله بما ينكره (وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ
لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ
وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) (الأنعام/137) (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا
أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام/140)
ولأن أغلب المفسرين تصوّروا أن رؤيا إبراهيم المناميّة
كانت وحيًا، ووقعوا في التناقضات، حاولوا التبرير بجعل إبراهيم كالآلة دون مشاعر،
فما إن جاءه "الوحي" حتى همّ لينفّذ، وما كان حواره مع ابنه إلا ليرى
عزمه، لقد نزعوا من إبراهيم بشريته بمجرد تصورهم أن الرؤيا كانت وحيًا وأمرًا
إلهيًا، متجاهلين أنه كان قبل كل شيء إنسانًا، يشعر بما يشعره الأب تجاه ابنه، كما
شعر من قبله نوح تجاه فيمن ربّاه، فقد أمره الله: (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ
ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) (هود/37) فقال نوح بعد مخالفة أوامر الله: (وَنَادَىٰ نُوحٌ
رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ
أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (هود/46)
فَلَمَّا
أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ:
استقر إبراهيم وابنه على رأي واحد، بعد أن دار بينهم نقاش،
وهذا مدلول الآية بكلمة (فلما)، وبدأ إبراهيم بمقدمه الذبح، فتله للجبين. وليس صحيح
ما ورد في كتب التفاسير من الإسرائيليات من أنه باشر فعل الذبح، كأن ذبحه فظهرت
صفيحه من النحاس بحلقه، أو أن السكين انقلبت، أو طعنه فمالت السكين، فكل هذه
الأقوال لا سند لها من القرآن، ولم يشر القرآن أنه باشر في الذبح.
يقول القرطبي بعد سرد هذه الروايات: (وهذا كله جائز في القدرة
الإلهية. لكنه يفتقر إلى نقل صحيح، فإنه أمر لا يدرك بالنظر وإنما طريقه الخبر. ولو
كان قد جرى ذلك لبينه الله تعالى تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم صلوات الله عليهما،
وكان أولى بالبيان من الفداء) (15)
وَنَادَيْنَاهُ
أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿104﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ:
تدخلت حينئذ العناية الإلهية، لتوقف إبراهيم عن فعله
ولتصرفه عنها، وليبدل شكّه باليقين، لتبين له أنها مجرد رؤيا صدقها إبراهيم، ولم تكن وحيًا أو أمرًا
إلهيًا، ولا يُعلم كيفية تدخل هذه العناية الإلهية؛ فهي من الغيب ولم يشر القرآن
إليها. وتتدخل العناية الإلهية عند الأنبياء أحيانًا لتصرف عنهم السوء والفحشاء
كما جاء في حق يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُخْلَصِينَ) (يوسف/24).
إِنَّ هَٰذَا
لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ:
والبلاء المتسق مع سياق الآية هي النعمة، أي النعمة البيّنة،
فقد أنعم الله على إبراهيم بأن أوقفه من ذبح ابنه، ولينهي عصر تقديم القربان
البشرية.
يقول الماوردي في تفسير البلاء: (الثاني: النعمة البينة,
قاله الكلبي ومقاتل وقطرب وأنشد قول الحطيئة: (وإن بلاءهم ما قد علمتم ... على الأيام إن نفع البلاء)) (16)
وَفَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴿107﴾ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ:
لا يهم ما هو الذبح، أكبش كان أم وعل، كما ذهب المفسرين،
فالمهم في القصة أنه تم استبدال تقديم القرابين البشرية بالبدن، وتكون صدقات
للمحتاجين، فالله غني عنها: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن
يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) (الحج/37).
وقد ترك الله هذه النعمة العظيمة للآخرين من بعد
إبراهيم، لينتهي عصر تقديم القرابين البشرية.
ينقل الزمخشري عن ابن عباس: (لو تمت تلك الذبيحة لكانت سنة
وذبح الناس أبناءهم) (17).
ويقول محمد شحرور: (ما وضعه من منع القرابين البشرية
واستبدالها سيبقى ساري المفعول إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وليس محصورًا بعصر
إبراهيم، بل سيشمل ما بعده من عصور متأخرة) (18)
الخاتمة:
ورّط المفسرون أنفسهم عندما أخذوا بالإسرائيليات في قصة
إبراهيم، ودخلوا في متاهات عندما اعتبروا أن الله أوحى إليه وأمره، وأخذوا القصة من
سفر التكوين ليواجهوا المشكلات التي واجهها كيركجورد. بينما جاءت القصة مغايرة في
القرآن الكريم، وليلفت الله انتباهنا إلى النعمة التي تركها لنا إبراهيم، وهي
إنهاء عصر تقديم القربان البشرية.
من الأخطاء التي يقع فيها البعض هي محاكمة الناس في عصور
غابرة بقوانينهم الأخلاقية المعاصرة، فيحاول أن يطعن في إبراهيم ويتهمه بجريمة
الشروع في القتل، متناسيًا أن الأخلاق والقوانين في ذلك الزمان مختلفة، وأن الناس
في ذلك الزمان كانوا يقدموا أبناءهم قرابين لآلهتهم، ويعتبر هذا الفعل أمر أخلاقي
بالنسبة إليهم، ولو عاش هو بينهم لما تردد بتقديم أحب أبناءه كقربان ليتقرب به لإلهه.
ولولا إبراهيم لساد تقديم القرابين البشرية لفترة طويلة من الزمن.
إن القوانين والأخلاق التي نشهدها اليوم هي نتاج تراكمات
الجهود البشرية، وقد كان الأنبياء أحد المساهمين في هذه الجهود، فالنبي قبل أن
يكون نبيًا هو مناضل ومصلح وثائر، سعى جاهدًا لإصلاح قوانين وأخلاق قومه.
لا ينبغي محاكمة السابقين بقوانيننا وأخلاقنا المعاصرة
دون فهم والإحاطة بظروفهم وقوانينهم وأخلاقهم، وإن كان الحال كذلك، فسيأتي يوم
يقرأ الناس تاريخنا وسيصفونا بالمجرمين المتخلفين الذي كانوا يشنقوا الناس ويسجنونهم أو يجرّموا الإجهاض والقتل الرحيم!
______________
1- سورن كيرككورد، الخوف والرعشة، ص 76
2- لم أتمكن من الاطلاع على كلام هيجل، وهو غير مهم على
كل حال في المقال.
3- فخر الدين الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، ج26، ص346
بحسب ترتيب المكتبة الشاملة.
4- أبو الليث السمرقندي، بحر العلوم، ج3، ص147 بحسب
ترتيب المكتبة الشاملة.
5- ابن كثير، تفسير ابن كثير، ج7، ص28. بحسب ترتيب
المكتبة الشاملة.
6- الطبري، جامع البيان، ج21، ص85 بحسب ترتيب المكتبة
الشاملة.
7- المرجع السابق
8- الشوكاني، فتح القدير، ج4، ص463 بحسب ترتيب المكتبة
الشاملة. وقول الحسن هو الأقرب للصواب.
9- انظر: أحمد النوفلي، أقانيم اللامعقول، الحلقة
الثانية، ص 116. ومحمد شحرور، القصص القرآني، الجزء الثاني، ص 111.
10- عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن،
ج12، ص5 بحسب ترتيب المكتبة الشاملة.
11- محمد شحرور، مرجع سابق، ص109.
12- روي عن النبي محمد: (نحن أحق بالشك من إبراهيم).
13- عبد الكريم القشيري، لطائف الإشارات، ج3، 238 بحسب
ترتيب المكتبة الشاملة.
14- ذكر الرازي في تفسيره أقوال من احتج على أن الرؤيا
وحي، مرجع سابق، ص346.
15- شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، ج15، ص102 بحسب
ترتيب المكتبة الشاملة.
16- الماوردي، النطت والعيون، ج5، ص62 بحسب ترتيب
المكتبة الشاملة.
17- الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج4، ص55 بحسب
ترتيب المكتبة الشاملة.
18- محمد شحرور، مرجع سابق، ص113.
المقال العاشر: الكائن المفترس