سبق وأن غردت على منصة تويتر بعض التغريدات حول موضوع
تعمين مهنة المحاماة، ولن أكرر موضوع التغريدات.
وباعتقادي أن القرار قد اُتخذ قبل كتابة هذا المقال، وإن
ما اكتبه في هذه اللحظة هو عبارة عن ملاحظات عن شيوع عدة عبارات، عبارات أصبحت
رائجة وترددها الألسن وتتناقلها، فليس الهدف من هذا المقال هو إثبات صحة رأي، أو
تغليب رأي على الآخر.
العبارة الأولى: (مهنة المحاماة هي مهنة سيادية)
عبارة عظيمة، وربما لو سألت المتلقي العادي، المتلقي
الذي وصفه أحمد شوقي بقوله: (يا له من ببغاء عقله في أذنيه) عن رأيه في العبارة، لارتعدت
فرائصه، سيادية.. كلمة لها وزنها. ولكن إن سألت هذا الشخص: ما معنى مهنة سيادية؟ لأجاب:
(آآه طالما.. عيد السؤال تاني) ببساطة.. لأن ليس لها معنى.
فمن صنفها أنها سيادية؟ ولماذا هي سيادية؟ هل لأهميتها؟
إذن هل الطب مهنة سيادية؟ أم هل ينبغي على من يمارس هذه المهنة أن يكون مواطنًا، وبالتالي
سنقول أن موظف أو موظفة الاستقبال هي مهنة سيادية؟ في الحقيقة لا أعلم ما تعني
مهنة سيادية، وما علاقة المهن بالسيادة.
سأتفق، وسأسلّم، أن مهنة المحاماة مهنة سيادية، في هذه
الحالة أنتم مجبرون على الاتفاق معي أن القضاء أكثر سيادية من مهنة المحاماة، ولا
اعتقد أن هناك أحدًا يجادل في هذا الشيء. فإذا طرحت هذا التساؤل وقلت: هل القضاء
لدينا معمّن؟ هل هو معمّن في المرحلة الابتدائية؟ الاستئناف؟ أو العليا؟ الإجابة
هي: لا.
وأتساءل لماذا نحن مهتمون بتعمين مهنة أقل سيادية من أخرى
وهي القضاء!
أحيلكم إلى المرسوم السلطاني رقم 49/2020 الصادر بتاريخ
7 إبريل من هذا العام علّكم تجدون فيه الإجابة الوافية.
العبارة الثانية: (تعمين مهنة المحاماة مطلب وطني)
عبارة جميلة، رنّانة، ولو سألت المتلقي العادي عن هذه
العبارة لقال: بلا شك وأنا اتفق معها؛ لأنها عبارة جميلة.
وإني أتساءل ما معنى مطلب وطني؟ ولماذا مطلب؟ وهل تعني
أن علي أن أطالب بها فقط؟
تأملت هذه العبارة مليًا، فوجدت أحدًا تحدث عنها سابقًا،
في رواية ثكنة رأسمالية، -المؤلف ليس مهم بالنسبة لنا- يقول محامي يدعى مالك أو
كما يعرف بمالكس لصديقه المحامي الذي لا نعلم اسمه حتى الآن، يقول له: (انظر مثلا
كيف يتعاملون مع فكرة توطين مهنة المحاماة، إنهم يخرجون علينا بخطابات ليل نهار
يؤيدون فيها فكرة التوطين، ويزعمون أنهم يدعمون هذه الفكرة، وهذا زعم كاذب، هم
يفعلون ذلك ليظهروا لنا بأنهم مهتمون بالمحامين وبمهنة المحاماة، مع أن لا أحد
منهم طبّق سياسة التوطين، إذ أن من يؤيد فكرة التوطين لا يحتاج إلى قرار لكي
يطبقه، بل سيقوم بتطبيقه من تلقاء نفسه)
هذه الرواية تدور أحداثها في زمان غير معلوم، وفي مكان
غير معلوم كذلك، الطبعة الأولى كانت بعام 2018م، وأتمنى ألا يفهم هذا على أنه
إعلان غير مدفوع للرواية، فليست لي علاقة مباشرة مع الكاتب.
لم أفكر بهذه الطريقة سابقًا، وهذا النص هو الذي أثار
تساؤلاتي، فمن يؤيد التعمين لماذا لا يطبقه من تلقاء نفسه؟ هل هو بحاجة إلى قرار؟
أم بحاجة إلى سلطة؟ إذا كان هو مقتنع به ويؤيده لماذا هو بحاجة إلى قرار أو سلطة؟
دعونا إذن نجري تعديلا في العبارة: (تعمين مهنة المحاماة
واجب وطني)
ما رأيكم؟ أم أن هذه العبارة ستدخلنا في متاهات؟
العبارة الثالثة: (تعمين مهنة المحاماة هو حق مؤجل -مع
وقف التنفيذ-)
لأن هذا النص مذكور بقانون المحاماة الصادر بعام 1996م، وأنا
أتساءل، منذ عام 1996م وحتى الآن أي بمرور 24 سنة لماذا ليس لدينا عدد كاف من
المحامين؟ عدد زهيد.
اعتقد علينا أن نجد المشكلة ونشخصها تشخيصا صحيحًا، ومن
ثم نبحث عن الحلول، لا أن نكون مع أو ضد قرار معين، فقد يطرح القارئ سؤالا ويقول:
هل أنت مع التعمين أم مع التمديد؟
وفي الحقيقة هذه إشكالية عامة لدينا، إشكالية ثقافية
وفكرية، فإن لم تكن معي، فأنت بالضرورة ضدي، والأشياء كما نراها إما أبيض أو أسود،
خير أو شر، نور أو ظلام، فلا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار، كما يقول نزار
قباني.
علينا ألا نكون مثل آدم أو إيف، يوناس أو مارثا، شكلوا
حزبين، وكل حزب بما لديهم فرحون، علينا أن نستفيد من كلاوديا، التي بحثت عن
المشكلة أولا قبل أن تجد حلًا لها، علينا أن نستفيد قليلًا من المسلسلات التي نقضي
فيها أوقاتًا مطولة لمتابعتها!
من وجه نظري فإن التعمين من عدمه هي مسألة هامشية، وإن
هناك مسألة أهم كان يفترض على المحامين إثارتها ومناقشتها، وهي قانون المحاماة
وانعكاسه على الواقع.
إجابتي على السائل هي: أني ضد التعمين مع إبقاء الوضع
على ما هو عليه، وضد التمديد مع إبقاء الوضع على ما هو عليه، فالمسألة ليست تعمين
أو تمديد أو تطبيق القرار من عدمه، وإن كنت أريد أن أخوض في هذه المسألة فسأقول أن
التمديد مع إبقاء الوضع على ما هو عليه هو أقل ضررا من التعمين مع إبقاء الوضع على
ما هو عليه.
العبارة الرابعة التي لا يكاد أن تتحدث عن هذا الموضوع، إلا
ويقوم شخص ليقول لك: (أثبت العماني كفاءته)
وأنا لا اعلم ما سبب ترديد هذه العبارة، تحدثت سابقًا عن
عدد المحامين بالأرقام، والأرقام اصدق أنباء من الكتب -مع احترامنا لأبي تمام- لأجد
ردودًا تقول أن العماني قد اثبت كفاءته، نعم بالتأكيد.. وأنا محامي عماني ولا
اعتقد أني أقول خلاف ذلك. فلاحظت أن هذا الخطاب الشائع هو خطاب شعبوي عاطفي،
ومتناقض؛ لأنه عاطفي.
هذا الخطاب قام بتصدير هذه الأفكار حتى لخريجي كليات
القانون، فأصبح المتخرج من كليات القانون أو حتى المحامي تحت التمرين يدعم بقوة
وبحماسة بكل طاقته هذا الرأي، لأن وكما قيل له أن بتعمين مهنة المحاماة سوف تتوفر
الفرص الوظيفية وستحل جميع المشكلات.
وهنا أريد أن أتحدّث مع هذا الشاب الذي لديه هذه الطاقة
ويريد أن يبدع، أقول له في المقام الأول بأني لا اقصد أن ارسم صورة سوداوية أو
ظلامية عن المشهد، ولكن في تفسيري انطلق من منطلق اقتصادي، بمعنى عندما افسّر ما
الذي يحدث، وكيف يحدث، وماذا سيحدث، فهو تفسير اقتصادي، وليس تفسير عاطفي أو
أمنيات كما سأوضح لك.
دعني أحكي لك حكاية:
بعد أن يتخرج الشاب أو الشابة من كلية القانون يلتحق
بمكتب المحاماة ويعمل لمدة سنتين كمحام تحت التمرين، وبعد أن ينتهي من فترة
التمرين ويقيد كمحام ابتدائي تطرق رأسه فكرة فتح مكتب خاص به. وعندما يرى بأنه
مستعد لهذه الخطوة يقوم بفتح مكتبه الخاص.
أول شخص سيوظفه هذا المحامي الشاب هو محام وافد.. عليا
أو استئناف لسببين، لسبب اقتصادي؛ حيث لا يمكنه أن يجد محام عماني عليا يريد أن
يعمل معه كعامل –هذا إن وجد لقلتهم- كما أن أجره مرتفع بأضعاف أجر المحامي الوافد،
ولسبب فني؛ حتى يغطي مرحلة الاستئناف والعليا، وهو يغطي المرحلة الابتدائية
المعمنة تمامًا.
بعد أن يكثر العمل فإن ثاني موظف يوظفه هو محام تحت
التمرين؛ لسبب اقتصادي كذلك، وعندما يزيد العمل يوظف محام تحت التمرين آخر، وعندما
سيزيد العمل سيوظف محام تحت التمرين كذلك، ومحام تحت التمرين الأول الذي عينه هذا
المحامي أصبح محاميًا ابتدائيا، وطرقت برأسه فكرة فتح مكتب خاص به.. وهكذا دواليك.
ماذا سيحدث إن تم تعمين مهنة المحاماة؟
بعد أن يتخرج الشاب أو الشابة من كلية القانون يلتحق
بمكتب المحاماة ويعمل لمدة سنتين كمحام تحت التمرين، وبعد أن ينتهي من فترة
التمرين ويقيد كمحام ابتدائي ستطرق رأسه فكرة فتح مكتب خاص به، ولكنه سيتراجع، وستجهض الفكرة بفتح مكتب، لأن الوضع أصبح
مختلفًا لسبب اقتصادي وفني كما ذكرت سابقًا، ولن يتمكن من تحقيق أول خطوة كما في
المثال السابق، ولذات الأسباب.
لن يفتح هذا الشاب وهذه الشابة مكتبًا كما كان يحدث في
السابق، ستدور العجلة ببطء وسيكون التوظيف بطيئا.
ذكرت في أحد التغريدات أن المحامي الوافد لا ينافس
المتخرجين على الوظيفة، فالمرحلة الابتدائية معمنة بالكامل، ولكي ينافس المحامي
الوافد المحامي العماني فعلى الأخير أن يعمل لمدة سبع سنوات.
هذه الفكرة يبدو أن الكثير لم يكن منتبه لها، أو أنهم لم
يعطوها حقها في الانتباه، ولكنهم انتبهوا لها وقالوا أن الوضع سيتغير، فعادة محامي
الاستئناف يحضر الابتدائي، ومحامي تحت التمرين يحضر الابتدائي، والابتدائي يحضر
الابتدائي، فسيحضر الاستئناف في الاستئناف، وسيحضر تحت التمرين هنا، والابتدائي
هناك، وهذا سيذهب هنا، وذاك سوف يذهب هناك...
أمنيات.. مجرد أمنيات لا يوجد رد..
لا يمكن أن تجبر شخص على آلية وطريقة العمل ومن يغطي
ماذا، لا يمكن بأي حال من الأحوال.. هذه مجرد أمنيات.
سابقا تم زف بشارة، هذه البشارة تقول أن بعد تطبيق قرار
التعمين سوف يتم غلق مائة مكتب يدار من قبل محامين وافدين، مائة مكتب، لابد لهذه
المكاتب أن تعيّن على الأقل محاميًا عمانيًا واحدًا ليغطي المرحلة الابتدائية
المعمنة كليًا.
لو افترضنا أن هناك محاميًا عمانيًا واحدًا في كل مكتب، فهذا
يعني بعد تطبيق القرار أن هناك مائة محاميًا عمانيًا سوف يفقدون وظيفتهم -على
الأقل- ولا أعلم لماذا اعتبر البعض أن هذه بشارة سارة، وأنا أراها كارثة، فماذا
سيكون مصير هؤلاء المحامين؟ وهل هناك عدد كاف من المكاتب سوف يتم فتحها؟
من الأشياء اللطيفة التي تثار الآن، والتي يمكن أن
نصنفها من ضمن العبارات الشائعة، أنه بعد قرار التقاعد سيقوم المتقاعدون من المجال
القانوني بفتح مكاتب المحاماة.
إنا لله وانا إليه راجعون، أحسن الله عزاءكم في التحليل،
كان طيبًا وودودًا، واستفدنا منه كثيرًا، وسامح الله من كان السبب!
من الذي أخذ عهدًا منهم أنهم سيقومون بفتح مكاتب
للمحاماة؟
هذه الفكرة تظهر لنا أن صاحبها كالغريق الذي يتمسك
بالقشة كي لا يغرق. مجرد أمنيات..
وعلى ذكر الأمنيات اعتقد بأنه علينا أن نكون حذرين في أمنياتنا.
هناك أغنية لـ Metallica تدعى King of Nothing يقول فيها: Careful what you wish you may regret it
في الختام أتمنى أن تعتبروا أن هذا المقال عبارة عن حوار
وتساؤلات، وليس جدلًا بيزنطيًا أيهم أولا الدجاجة أم البيضة، تشارلوت أو اليزابيث.
واغفروا لي زلاتي واستطرادي المتكرر..
تعمين مهنة المحاماة