هل تساءلت يوما كيف يمكن لفرقة أو حزب أو تنظيم صغير أن
يواجه جيوش نظامية بل ويتمكن من الصمود والتغلب عليها، على الرغم من الفرق الشاسع
بين الجانبين من ناحية الكم والعتاد والتقنية؟
إن هذه المجموعات الصغيرة لا تستطيع أن تصمد أمام الجيوش
النظامية إلا عن طريق تكتيكات حرب الغوار أو بما يعرف بحرب العصابات أو الشوارع –ونفضل
مصطلح الغوار-
في وقتنا الحالي إن ما يحدث في غزة بفلسطين المحتلة هي
إحدى هذه الحروب، فتسعى مجموعة صغيرة بالعدد –حماس- من مقاومة المستعمر –الكيان
الصهيوني- وصمود ونجاح هذه المجموعة كما يخبرنا التاريخ وإن طالت ليست بمستحيلة، فكما
يقول جيفارا: (تستطيع القوى الشعبية أن تكسب حربا ضد الجيش النظامي) وهنا كان
يتحدث عن حقيقة تاريخية وليست تنظير.
عند قراءتك لكتاب تشي جيفارا (حرب الغوار) ستدرك من
الناحية العملية ما تقوم به حركة المقاومة، وكأن جيفارا كان يكتب سيناريو هذه
الحرب، أو بالأحرى أن هذه الجماعات مطلعة على هذا الكتاب.
قام تشي جيفارا بتأليف هذا الكتاب في عام 1961م وذلك بعد
نجاح الثورة الكوبية والتي شارك فيها مع رفيقه فيدل كاسترو، ويتضح أهمية هذا
الكتاب في أن جيفارا وضع مبادئ حرب الغوار مستندا على الجانب النظري والعملي،
لاسيما أن تجربته كانت ناجحة وقلبت موازين القوى رأسا على عقب، فهو لم يقم بأول
حرب من هذا النوع، وإنما قام برسم خارطة لأي جماعة تمتلك ذات الأهداف في العصر
الحديث، فكما يقول من الهدف من تأليف هذا الكتاب: (نقصد الآن إلى إيجاد الأسس التي
يقوم عليها هذا النمط من النضال والقواعد التي ينبغي أن تتبعها الشعوب الباحثة عن
تحررها، إن مقصدنا هو تحويل الممارسة إلى نظرية واستجلاء بنية هذه التجربة
وتعميمها لفائدة الآخرين)
ولم يتجاهل جيفارا تجارب الآخرين بل كان مطلع عليها واستفاد
منها ووظفها في كتابه، فمثلا يقول: (وقد علمنا أنهم في الجزائر مثلا يستعملون
حاليا ضد الحكم الاستعماري الفرنسي ألغاما مسيرة عن بعد، تنفجر على مسافة كبيرة من
نقطة إطلاقها باللاسلكي)
ويفرق جيفارا بين المغاور ورجل العصابات، حيث إن
المغاور: (مصلح اجتماعي، وأنه يحمل السلاح استجابة لاستنكار الشعب الكامن ضد
مضطهديه) أما عصابات قطاع الطرق وإن كانت لديها مميزات جيش الغوار إلا أنها ينقصها
تأييد الشعب، وهو الفرق الجوهري بين الفريقين.
يتكون الكتاب من أربعة أقسام:
القسم الأول: المبادئ العامة لحرب الغوار: ويشمل جوهر
الحرب والتفريق بين الحرب في المواقع الجغرافية المختلفة.
القسم الثاني: الغوار: ويشمل صفات المغاور وتنظيم
القتال.
القسم الثالث: تنظيم جبهة الغوار: ويشمل تموين الحرب
والمنظمات المدنية ودور المرأة والصحة والصناعة والدعاية وغيرها.
القسم الرابع: من تشكيل الغوارة الأولى إلى الدفاع عن
السلطة بعد الفوز بها: وهي الطور الأخير من حرب الغوار.
وحيث يرى جيفارا أن حرب الغوار ما هي إلا طور ومرحلة من
مراحل الحرب: (من الثابت أن حرب الغوار تؤلف أحد أطوار الحرب، فلا يستطيع هذا
الطور وحده أن يؤدي إلى الظفر، إنه أحد الأطوار الأولى من الحرب، وسوف يتطور حتى
يكسب الجيش الثائر إبان نموه المستمر مميزات الجيش النظامي)
وعن تكتيك الحرب فيختصرها جيفارا في التالي: (عضّ، اهرب،
تريّث، راقب، عد ثانية، عضّ واهرب مرة أخرى، وهكذا دواليك، دون أن تترك للعدو
راحة)
وعن صفات المغاور وجوهر الغوار يقول بتصرف: (ومثلما
ينبغي في الحرب الحديثة أن لا يموت اللواء قائد فرقة على رأس جنوده، ينبغي كذلك
للمغاور الذي هو لواء نفسه أن يصون حياته، إنه مستعد لعطائها، غير أن الوجه
الإيجابي من حرب الغوار هو بالدقة أن كل مغاور مستعد للموت ليس دفاعا عن مثل أعلى
بل لتحويل المثل الأعلى إلى حقيقة. هذه هي قاعدة نضال الغوار وعين جوهره: إنها
المعجزة التي تجترحها مجموعة صغيرة من الرجال لإحقاق العدالة)
وعن سلوك وأخلاق المغاور فيقول: (يجب أن يرتكز السلوك
نحو السكان المدنيين على احترام كبير لكافة تقاليد وعادات أهالي المنطقة، للتدليل
العملي عن تفوق المغاور أخلاقيا على الجندي المضطهد)
وعن الدعاية والإعلام يقول: (ينبغي أن تتألف هذه المنظمة
من قسمين متكاملين، يغطيان نطاق الوطن كله، يجب أن تتم الدعاية من الخارج، أي ضمن
المنظمة الوطنية المدنية، ومن الداخل أي في وسط الغوار)
وفي الأخير فإن الكتاب الذي وضعه تشي جيفارا ليست
التجربة الأخيرة، بل وضعه ليأتي من بعده ليحسن هذه الطرق، فيقول: (إن هذه التجربة
ليست إلا تجربتنا الكوبية التي أعبر عنها ههنا، ويمكن أن تأتي تجارب جديدة فتغير
من هذه الطرائق وتحسنها فنحن نقدم مخططا لا توارة)
تشي جيفارا عرّاب حرب الغوار