الجمعة، 14 فبراير 2020

الزواج بغير ولي


الزواج بغير ولي:

في الآونة الأخيرة تم تداول حكم صادر من إحدى المحاكم العمانية على شبكات التواصل الاجتماعي قد قضى برفض دعوى المدعية التي اقامت دعواها تطالب فيها بإثبات زواجها بالمدعى عليه كونهما كانا يدرسان بالولايات المتحدة الأمريكية، واتفقا على الزواج وتم عقد قرانهما بالمركز الإسلامي على يد أحد المختصين بعقد الزواج، وقد دخل عليها المدعى عليها وعاشرها معاشرة الأزواج بعد العقد، وعند عودتها إلى عمان أرادت توثيق عقد الزواج إلا أن المدعى عليه رفض ذلك وهي حامل منه، وقد تدخّل والد المدعية في الدعوى وطلب القضاء ببطلان عقد الزواج لأنه غير موافق عليه، فحكمت المحكمة برفض دعوى المدعية وببطلان عقد الزواج. وقد أسست المحكمة حكمها على أن زواج المدعية وقع بدون إذن وليها ورضاه، فلا تملك المرأة نكاح نفسها بحسب ما ذهب إليه جمهور الأمة واعتمده قانون الأحوال الشخصية.
وما نود بيانه في هذا المقال إزالة اللبس الذي وقع فيه البعض حين اعتبر أن المرأة قد وقعت في الحرام بما أن الحكم حكم ببطلان عقد الزواج، كما نود بيان أنه إذا كان العقد باطلًا قانونًا بحسب قانون الأحوال الشخصية فلا يعني أنه مخالف للدين أو للشريعة الإسلامية، وقد أحسن الحكم عندما ذكر شرط موافقة الولي أنه رأي "الجمهور" والذي اعتمده قانون الأحوال الشخصية. فقد يكون عقد الزواج باطلًا في عمان ولكنه عقد صحيح في الولايات المتحدة الأمريكية –أو أي دولة أخرى- والذي كما يظهر أنه أخذ برأي "الأقلية" لاسيما وأن عقد الزواج قد تم عقده في مركز إسلامي كما ورد في الحكم.
للزواج وفقًا لقانون الأحوال الشخصية أربعة أركان: 1- الإيجاب والقبول. 2- الولي. 3- الصداق. 4- البينة. كما نصت عليه المادة (16) من القانون.
والمطالع لقانون الأحوال الشخصية يلاحظ أنه اعتمد على مواده على آراء مختلفة من الفقه ولم يكتفي على مذهب واحد، فاشتراط في الزواج على موافقة وإذن الولي هو رأي أكثر الفقهاء ولكنه ليس رأي مجمع عليه بل مختلف فيه.
يذكر الماوردي في كتابه الحاوي الكبير على أن الفقهاء قد اختلفوا على ستة مذاهب حول القول في اشتراط الولي في عقد النكاح (فإن أرادت المرأة أن تنفرد بالعقد على نفسها من غير ولي، فقد اختلف الفقهاء فيه على ستة مذاهب. مذهب الشافعي منهاأن الولي شرط في نكاحها لا يصح العقد إلا به وليس لها أن تنفرد بالعقد على نفسها، وإن أذن لها وليها سواء كانت صغيرة أو كبيرة، شريفة أو دنية، بكرا أو ثيبا. وبه قال من الصحابة عمر، وعلي، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم .ومن التابعينالحسن، وابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وشريح، والنخعي، ومن الفقهاءالأوزاعي، والثوري، ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفةإن لم يكن عليها في مالها ولاية لبلوغها وعقلها لم يكن عليها في نكاحها ولاية، وجاز أن تنفرد بالعقد على نفسها وترده إلى من شاءت من رجل أو امرأة ولا اعتراض عليها من الوالي إلا أن تضع نفسها في غير كفء، وإن كان عليها في مالها ولاية لجنون أو صغر لم تنكح نفسها إلا بولي.
قال مالكإن كانت ذات شرف أو جمال أو مال صح نكاحها بغير ولي.
وقال داودإن كانت بكرا لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت ثيبا صح بغير ولي.
وقال أبو ثورإن أذن لها وليها جاز أن تعقد على نفسها، وإن لم يأذن لها لم يجز.
وقال أبو يوسفتأذن لمن شاءت من الرجال في تزويجها دون النساء ويكون موقوفا على إجازة وليها.( (1)
وجاز القول أن هناك ثلاثة آراء رئيسة: الرأي الأول من يشترط موافقة الولي، والرأي الثاني من يشترط موافقة الولي في ظروف معينة، والرأي الثالث من لا يشترط موافقة الولي.

الأدلة من القرأن الكريم:

استدل القائلون باشتراط موافقة ولي المرأة على الآيات القرآنية منها: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) (البقرة/232)
واستدل الشافعي على هذه الآية أنه يشترط موافقة الولي (لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الأولياء والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف) (2)
وقد أجاب السرخسي على استدلال الشافعي على الآية أن المقصود في الآية: (المراد بالعضل المنع حبسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج، وهذا خطاب للأزواج فإنه قال في أول الآية: (وإذا طلقتم النساء) وبه نقول: أن من طلق امرأته وانقضت عدتها فليس له أن يمنعها من التزوج بزوج آخر) (3)
وهو قول سديد لاسيما أن المخاطب في الآيات من الآية 226 من سورة البقرة هم الأزواج في حالة العزم على الطلاق، وفي الآية 232 من سورة البقرة تكون آخر مرحلة من الطلاق وهي بلوغ الأجل أي انقضاء العدة، فلا سبيل هنا للحديث عن الولي.
أما القائلون بعدم اشتؤاط موافقة الولي للمرأة فقد استدلوا بالآية: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) (البقرة/234) فقال أبو حنيفة: (فنسب النكاح إليهن ورفع الاعتراض عنهن) (4) كما استدلوا بالآيات (حتى تنكح زوجا غيره) (البقرة/230) ولقوله تعالى (أن ينكحن أزواجهن) (البقرة/232) (أضاف العقد إليهن في هذه الآيات فدل أنها تملك المباشرة) (5)

الأدلة من الروايات المنسوبة إلى الني محمد:

وقد تعمدت من ذكر هذا التوصيف؛ كون الفقهاء شككوا في الروايات التي يستدل بها الطرف الآخر سندًا ومتنًا، وهي رويات كثيرة نذكر أبرزها.
لعل من أبرز الروايات التي استدل عليها القائلون باشتراط موافقة ولي المرأة هي ما رواه الشافعي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا -أو قال: اختلفوا- فالسلطان ولي من لا ولي له.)
واعترض القائلون بعدم اشتراط موافقة الولي للمرأة بالاستدلال على هذه الرواية من ناحية السند والمتن: (أحدها: أن قالوا: مدار هذا الحديث على رواية الزهري وقد روى ابن علية عن ابن جريج أنه قال لقيت الزهري فسألته عنه قال: لا أعرفه. (...) والثاني أن قالوا: هذا الحديث لا يصح عن عائشة فقد رويتموه عنها، لأنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن وكان غائبا بالشام، فلما قدم قال: أمثلي يقتات عليه في بناته فأمضى النكاح. وقيل إن ما روته من الحديث أثبت عند أصحاب الحديث، مما روي عنها من نكاح ابنة أخيها. (...) والثالث أن قالوا: هو محمول على من عليها من النساء ولاية بصغر أو رق وتلك لا يجوز نكاحها إلا بولي، وقد روي في الخبر: أن امرأة نكحت بغير إذن مواليها، فنكاحها باطل، فاقتضى صريح هذه الرواية حملها على الأمة، ودليل تلك آكد وأن حمله على الصغيرة وخرجت الحرة الكبيرة في الروايتين (...)) (6)
وقد استدل القائلون بعدم اشتراط موافقة ولي المرأة على روايات منها: (قوله -صلى الله عليه وسلم- : (الأيم أحق بنفسها من وليها) والأيم: اسم لامرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، وهذا هو الصحيح عند أهل اللغة، وهو اختيار الكرخي -رحمه الله تعالى- قال: الأيم من النساء كالأعزب من الرجال (...) وقال -صلى الله عليه وسلم-:(ليس للولي مع الثيب أمر)، وحديث الخنساء حيث (قالت: بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شيء) (ولما خطب رسول الله أم سلمة -رضي الله عنها- اعتذرت بأعذار من جملتها أن أولياءها غيب فقال: -صلى الله عليه وسلم- ليس في أوليائك من لا يرضى بي قم يا عمر فزوج أمك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاطب به عمر بن أبي سلمة وكان ابن سبع سنين) وعن عمر وعلي وابن عمر -رضي الله تعالى عنهم- جواز النكاح بغير ولي، وأن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، وهو غائب فلما رجع قال: أومثلي يفتات عليه في بناته، فقالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: أوترغب عن المنذر؟ والله لتملكنه أمرها) (7)
وعلى أية حال لا يمكن التعويل على الروايات المنسوبة إلى النبي -والتي كما رأينا أنها متضاربة- للخروج بشيء قطعي، فكل رواية تناقض الرواية الأخرى، وكل فريق يشكك في الرواية المقابلة سندًا ومتنًا. (8)

الأدلة العقلية:

ونقصد بالأدلة العقلية كما هو سائد عند الأصوليون أي مصدر آخر من مصادر التشريع التي وضعها الأصوليون غير القرآن والسنة.
أما القائلون باشتراط موافقة ولي المرأة فإنهم قالوا (أن المرأة إنما منعت الاستقلال بالنكاح، لقصور عقلها، فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة، وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها (...) والعلة في منعها، صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة، والله أعلم.) (9)
أما القائلون بعدم اشتراط موافقة ولي المرأة فقالوا: (أن كل من جاز له التصرف في ماله جاز له التصرف في نكاحه كالرجل طردا والصغير عكسا، ولأنه عقد يجوز أن يتصرف فيه الرجل فجاز أن تتصرف فيه المرأة كالبيع، ولأنه عقد على منفعة فجاز أن تتولاه المرأة كالإجارة، ولأن لما جاز تصرفها في المهر وهو بدل من العقد جاز تصرفها في العقد.) (10)
والمتأمل في الرأين يرى أن الرأي الأول قد بنى رأيه لدفع مضره قد تتحقق، وهو كما يُعرف في أصول الفقه بالمصالح المرسلة، والمصالح المرسلة بشكل عام تخضع لظروف زمانية ومكانية معينة وتتغير أحكامها بتغير الزمان والمكان، كما أن الفقهاء غالوا في استخدامها في سبيل دفع المضرة. أما الرأي الثاني قد بنى رأيه على القياس والمعروف في أصول الفقه على انه الحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص على حكمه لاشتراكهما في العلة، ولو أن للقياس مآخذ إلا أن أغلب الأصوليون عدوه المصدر الرابع من مصادر التشريع، وهو في هذه المسألة أقوى حجة من الرأي الأول.

الخلاصة:

بعد عرض أدلة القائلين باشتراط موافقة ولي المرأة والقائلين بعدمه في الزواج، نرى أن الرأي الراجح هو عدم اشتراط موافقة ولي المرأة، ذلك أنه لم يرد في القرآن الكريم من وجوب هذا الشرط، وإن الآية التي استدل بها القائلون بلزوم هذا الشرط غير صريحة وقد اخرجت من سياقها، وعلى العكس من ذلك نرى أن الآيات التي استدل بها القائلون بعدم لزوم الشرط تدل أن للمرأة أن تزوج نفسها دون ولي. كما أن الروايات قد جاءت متناقضة ولم يصح منها شيء.
أما عن القول أن سبب اشتراط الولي هو لصيانه المرأة عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة، فهو استدلال قد يكون في محله إذا اعدناه إلى زمانه ومكانه، كما أنه افتراض يفترض فيه أسوء الأحوال وهو افتراض ظرفي، وكما أسلفنا أنه قد يتبدل الحال من زمان ومكان. بل بإمكانما القول أن سبب الخلاف الذي وقع فيه الفقهاء حول هذه المسألة، وأن القول باشتراط موافقة الولي هو رأي الجمهور، يعود إلى العادات والتقاليد في ذلك الزمان والمكان، فقد كانت القبائل في ذلك الوقت تهتم بأمور كالنسب والمهر وأن الأولياء يتفاخرون بكمال مهر المرأة ويعيرون بنقصان مهرها، ولتجنب ذلك كان لابد أن تكون لهم الكلمة، ولقد فطن لذلك السرخسي فقال: (وإذا أكرهت المرأة الولي على أن يزوجها بأقل من مهر مثلها فزوجها ثم زال الإكراه فرضيت المرأة، وأبى الولي أن يرضى فليس له ذلك في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لأن المهر من خالص حقها فإنه بدل ما هو مملوك لها ألا ترى أن الاستيفاء والإبراء إليها والتصرف فيه كيف شاءت، وتصرفها فيما هو خالص حقها صحيح فلا يكون للأولياء حق الاعتراض وأبو حنيفة -رحمه الله تعالى- يقول: إنها ألحقت الضرر بالأولياء فيكون لهم حق الاعتراض كما لو زوجت نفسها من غير كفء، وبيان ذلك أن الأولياء يتفاخرون بكمال مهرها ويعيرون بنقصان مهرها فإن ذلك مهر المومسات الزانيات عادة وفيه يقول القائل:
وما علي أن تكون جاريه ... تمشط رأسي وتكون فاليه
حتى ما إذا بلغت ثمانيه ... زوجتها مروان أو معاويه
أختان صدق ومهور غاليه
ومع لحوق العار بالأولياء فيه إلحاق الضرر بنساء العشيرة أيضا فإن من تزوج منهن بعد هذا بغير مهر فإنما يقدر مهرها بمهر هذه فعرفنا أن في ذلك ضررا عليهن، وإنما يذب عن نساء العشيرة رجالها فكان لهم حق الاعتراض فأما بعد تسمية الصداق كاملا صار حق العشيرة مستوفى، وبقاء المهر يخلص لها فإن شاءت استوفت وإن شاءت أبرأت) (11)

  ________________________
(1) الماوردي، كتاب الحاوي الكبير، ج 9، ص 38
(2) الشافعي، الأم، ج 5، ص 13
(3) السرخسي، المبسوط، ج 5 ، ص 12
(4) الماوردي، مرجع سابق ص 38
(5) السرخسي، مرجع سابق، ص 12
(6) الماوردي، مرجع سابق، ص 39
(7) السرخسي، مرجع سابق، ص 12
(8) للمزيد انظر، بدر الدين العين، البناية شرح الهداية، ج5، ص71
(9) أبي قدامة، المغني، ج7، ص 8
(10) الماوردي، مرجع سابق، ص 39
(11) السرخسي، مرجع سابق، ج 5، ص 14