الجمعة، 29 سبتمبر 2023

ما بعد حقوق المرأة في قانون العمل

 



لنفترض أنه أسند مشروع إليك، وللقيام بهذا المشروع يتوجب عليك استخدام أحد الجهازين، سنطلق على الجهاز الأول الحاسوب الأزرق، وعلى الجهاز الثاني الحاسوب الأحمر. والجهازان يؤديان ذات العمل وبنفس الكفاءة، إلا أن الحاسوب الأزرق إذا ما تعطلت (لوحة الأم) فإنه يحتاج إلى (10) أيام لإصلاحه، أما الحاسوب الأحمر إذا ما تعطلت (لوحة الأم) فإنه يحتاج إلى 4 أشهر لإصلاحه. وإذا ما تعطلت (ذاكرة الوصول العشوائي) للحاسوب الأزرق فإنه يحتاج إلى أسبوع لإصلاحه، أما إذا تعطلت (ذاكرة الوصول العشوائي) للحاسوب الأحمر فإنه يحتاج إلى (3) أشهر لإصلاحه، وبعد مرور الثلاثة أشهر ستضطر إلى عدم استخدام الجهاز لمدة ساعة في اليوم لمدة سنة، ويوجد احتمال أن تستمر هذه الحالة لمدة سنتين، وبعد مرور السنتين هناك احتمال كبير جدا بأن (ذاكرة الوصول العشوائي) سوف تتعطل مرة أخرى وستمر بجميع هذه الإجراءات. فإن كنت صاحب هذا المشروع فأي جهاز ستختار لإنجاز مشروعك؟

بعد صدور قانون العمل بالمرسوم السلطاني رقم 53/2023 قرأته قراءة سريعة وذلك بحكم مهنتي التي تفرض علي الاطلاع على القوانين التي تصدر فورا، وبعد ذلك قرأته للمرة الثانية قراءة متأنية حتى أميز المستجدات، وأخيرا قرأته قراءة معمقة لأنه أسند إلي عمل متعلق بقانون العمل، هذه القراءات الثلاث قرأتها بعين المحامي الذي يهمّه الفهم الصحيح للقانون وتطبيقه التطبيق الصحيح. ولا استطيع أن أنكر أن عيني الأخرى الفضولية التي تسعى لقراءة ما خلف النص وأبعاده والتي تحاول دوما أن تفهم الواقع وتتنبأ بالمستقبل فتحلل وتفسر وتربط وتقيس كانت حاضرة كذلك، وهي التي ستحدثكم عما رأت في هذا المقال لا عين المحامي.

منذ عام 2020م وبعد تولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم لا يخفى على المتابع اهتمام الحكومة في الجانب الاقتصادي. وحيث إن أحد أهم عوامل النمو الاقتصادي هي الكثافة السكانية نسبة إلى مساحة الأرض، وهذا العامل يعتبر ضعيفا في سلطنة عمان؛ إذا أن عدد 5,000,000 نسمة يعد رقما متواضعا، لذا ومنذ عام 2020م صدرت عدة مراسيم سلطانية تؤكد لنا رغبة الحكومة في زيادة التعداد السكاني والتشجيع على الإنجاب منها: مراسيم سلطانية تتعلق بمنح ورد الجنسية العمانية. المرسوم السلطاني رقم 23/2023 في شأن زواج العمانيين من أجانب والذي يسمح للعمانيين بالزواج من الأجانب –ويحتاج هذا المرسوم لمقال آخر-. صدور قانون الحماية الاجتماعية واستحقاق الطفل لمنفعة الطفولة.

واستمرارا لهذا النهج جاء قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53/2023 متماشيا مع رأينا القائل برغبة الحكومة بزيادة عدد السكان، فقانون العمل كما سنرى لاحقا يسعى لتشجيع الإنجاب.

مع صدور قانون العمل برزت أصوات احتفلت وهللت لحقوق المرأة العاملة، وقالت إن هذه الحقوق جاءت تعزيزا لمكانة المرأة في المجتمع ..الخ. وإذا ما نظرنا إلى حقوق المرأة العاملة في قانون العمل 53/2023 لا يمكننا إلا أن نرى تضاعف حقوق المرأة العاملة مقارنة بقانون العمل السابق 35/2003، ولا يمكننا لوم هذه الأصوات على حالة الابتهاج بالنصر.

فبعد أن كانت العاملة تستحق (50) يوما إجازة للوضع أصبحت تستحق (98) يوما –أي ما يقارب الضعف- كما أنها تستحق بموجب قانون العمل الجديد ساعة واحدة يوميا لرعاية طفلها تبدأ بعد انتهاء إجازة الوضع لعام واحد وتمتلك الخيار لتحديد هذه الساعة، كما ويجوز منحها بناء على طلبها إجازة بدون أجر لرعاية طفلها دون أجر لمدة لا تتجاوز عاما واحدا.

وبقيت إجازة المرأة العاملة التي يتوفى زوجها كما هي في القانون الجديد (130) يوما للعاملة المسلمة، وأضيفت إجازة للعاملة غير المسلمة التي يتوفى زوجها (14) يوما.

بينما يستحق العامل على (7) أيام إجازة أبوة و(10) أيام في حالة وفاة زوجته بدلا من (3) أيام في القانون القديم.

لا أريد أن استخدم تعابير مجازية شاعرية كالمسمار الأخير في النعش أو رصاصة الرحمة أو القشة التي قصمت ظهر البعير، بل سأقول بكل بساطة: أن هذه الحقوق التي منحت المرأة العاملة ووسعت فارق الحقوق بينها وبين الرجل سوف تؤدي إلى عزوف توظيف المرأة، وذلك بسبب أن على الجانب الآخر يوجد هناك رأسمالي قد اقترض من البنك ليقوم بمشروع، وعليه –وليس لديه خيار آخر- أن يحقق أرباحا لسداد قرض البنك والالتزامات التي عليه وإلا زج به في السجن، ولإنجاز هذا المشروع سيقوم –كما قمت أنت أيضا أيها القارئ الكريم- باختيار الحاسوب الأزرق لإنجاز مشروعه.

عندما توصلت لهذه النتيجة البديهية أصابتني الحيرة، هل كانت هذه النتيجة غير مرئية عندما تم التفكير بوضع هذه المواد المتعلقة بحقوق المرأة العاملة؟ وللإجابة على هذا السؤال توصلت إلى فرضيتين:
الأولى: أنها كانت غير مرئية فكان الهدف هو التشجيع على الإنجاب، فإذا ما كانت المرأة مترددة في الإنجاب بسبب عملها الذي تقضي فيه ما لا يقل عن (8) ساعات يوميا بأيام العمل سوف تصبح أقل ترددا بعد أن سيكفل لها القانون هذه الحقوق.

الثانية: أنها كانت مرئية وواضحة تمام الوضوح، فإذا ما افترضنا أن هذه النتيجة ستكون حتمية فإن عزوف توظيف المرأة يتماشى مع النهج الذي يسعى لزيادة التعداد السكاني لأسباب لا تسع هذا المقال ويستطيع القارئ أن يتوصل إليها.

ملاحظة أخيرة: أرجو ألا يفهم من هذا المقال على أنه يميز بين الرجل والمرأة في مجال العمل، أو أنه تمييز جندري، هذا المقال المتواضع يحاول أن يفهم الواقع ويتنبأ بالمستقبل وفقا لواقع غير متخيل وإنما منصوص عليه في مواد القانون.