السبت، 1 فبراير 2014

العسكرومازوخية

يعرض الكاتب إمام عبد الفتاح إمام في كتابهِ " الطاغية " الآراء والتحليلات التي قيلت في تفسير الظاهرة العجيبة وهي ملازمة الطغيان للشرق ، ولماذا الطغيان لا ينفك عن الشرق ولا الشرق عن الطغيان .

ويقسم هذه الآراء إلى ثلاثة اقسام :

الأولى : تنطلق من منطلق الطبيعة البشرية ، وأن البشر ليسوا سواء ، وأن من البشر من يُخلق سيداً ومنهم من يُخلق عبيداً ، وهذا ما ذهب إليه أرسطو بأن الشرقي عبيد بطبيعتهِ فلا يشعر هذا الشرقي بآلام الإستبداد بل يتقبلهُ بكلِ رحابه صدر .

أما مونتسكيو فيرى أن الإستبداد نظام طبيعي للشرق بالإضافة إلى أن الحكومة المستبدة تكون أصلح للعالم الإسلامي ، وقد لا يلام مونتسكيو على هذا الرأي ، فكما يتضح لي انه يستمد هذه الفكرة من الواقع الذي كان يعايشه في ذلك الزمان ، وعلى كل حال لم يختلف ذلك الزمان عن اليوم !

ويسير هيجل على هذا الطريق فيرى أن الشرقي لم يتعرف بعد على الإنسان والحرية وأن الإنسان الحر الذي يعتقدونه هو الطاغية ، لهذا هم خُلقوا لجر عربة الإمبراطور !

الثانية : وهي نظرية فيتفوجل وتنطلق من منطلق الوضع الإقتصادي الذي كان سائداً في الشرق ، فكما يرى أن المجتمع الشرقي " المجتمع النهري " الذي كان يعتمد على الزراعة ساعد على إنشاء سلطة مركزية ، وإن هذه السلطة المركزية كان لابد لها أن تكون مستبدة حتى يسير العمل الإقتصادي بلا أي خلل . بالإضافة إلى استعانة هذه السلطة بالعقاب والترهيب من جانب ، وبتقديس الطغاة من جانب آخر ، فهذه العوامل جعلت من المجتمع الشرقي مُسلّماً لكل ما يصدر من السلطة بدون تردد .

الثالثة : النظرية السادومازوخية ، وهي تنطلق من منطلق نفسي ، وهي علاقة بين متناقضين مع اشتراكهم في عنصر ، فالسادي الذي يعشق ايقاع الألم بالآخرين والمازوخي من يعشق الحاق الأذى به ، والعنصر المشترك هو اللذة .
ومع أن هذه الحالة كانت مرتبطة بعلم النفس إلّا انها انتقلت إلى علم الإجتماع والسياسة لعلها تحل بعض الإشكاليات المحيرة كحالة الشرقي والطغيان ، وربما استطاعت ذلك !


العسكرومازوخية :








إن المتتبع لأحوال العرب في وقتنا المعاصر قد لا يسعفه الرأي الأول والثاني في تحليل المشهد السياسي الحالي ، وبالتحديد التي تحدث في مصر .

قبل ٣ سنوات كنّا نسمعهم يهتفون في الميادين " يسقط حكم العسكر " بينما الآن يحكمهم العسكر من جديد . 
لاشك أن تفسير هذا الموقف لا يقتصر على عامل واحد ، بل مكون من عدة عوامل استطاع أن يعيد الوضع على ما كان عليه ، ولكني سأتحدث عن هذا العامل الغريب المتخذ من الرأي الثالث ونظرية السادومازوخية وأحببت أن اطلق عليه العسكرومازوخية نسبة للعسكر ، فكما يتبين لي أن الكثير من المازوخيين - في النطاق السياسي - يعشقون أن يلحق بهم الأذى من العسكر ولا من أحد غيرهم .

فعندما تسمع رئيس تحرير جريدة يقول أن البلاد بحاجه إلى دكر والدكر الوحيد هو السيسي ، وعندما تقرأ في احدى الجرائد احدهم ينظم شعراً بعنوان نساؤنا حبلى بنجمك ، وقسيس يقول اذوب عشقاً في السيسي ، فهذه هي عين المازوخية بل انها جمعت المازوخية في النطاق السياسي والأدبي !

اعتقد انه يتوجب ألّا  نندهش عند سماع أو قراءة مثل هذه القذارة ، ولكن لأننا نريد من الأوضاع أن تتغير في عشية وضحاها ونصدق انفسنا قليلاً فتصيبنا الدهشة .
فعندما قامت ثورة ٢٥ يناير وهتف الشعب " يسقط حكم العسكر " لم يعتبرها الناس ثورة بل فتنة ، ولم يكن هذا محسوب على تيار واحد ، بل من عدة تيارات فترى السلفي يقول انها فتنة وخروج عن ولي الأمر ، والعلماني يقول شباب طائش  وناكر الجميل لا يحترم والده !
وبعد ان نجحت هذه الفتنة واصبحت ثورة لم يستطع هؤلاء أن يبقوا في مواقفهم ، فهم إذا ما بقيوا على حالتهم الأولى كانوا في مواجهة الثوار ، بعكس ما كانوا عليه في السابق فهم في مواجهة الخوارج . واصبح الجميع وبقدرة قادر في يوم وليلة إلى ثائر ، مع أن الجميع كانوا تحت وطئة العسكر لعقود .

كان لابد للمازوخي أن يعايش الوضع الجديد ، فهو كالمدمن الذي توقف عن تناول الجرعات ، ولكن مع مرور الأيام لم يستطع أن يتماسك فبدأ يتخبط بحك جلده تارة وبالهذيان تارة اخرى . مرة يقول آسفين يا ريس ، ومرة يقول أن الذقن قصير .
وبدأ يحن إلى عادته القديمة وإلى حبيبه القديم العسكر الذي يُكمل كل منهما الآخر .

 ومع أن المتناقضين ( السلفية والعلمانية ) مختلفين في كل شيء ولكن جمعهم عنصر اللذة لذا قال السلفي لا بأس بالخروج عن الحاكم ، وقال العلماني لا بأس بتدخل الدين في السياسة من أجل رجوع السادي العسكري ، وأخذ يتغنى بذكريات السادي القديم  ( جمال عبد الناصر ) متذرعاً أن الشعب - المازوخي - كان يحبه كما كان حال الشعب الألماني مع سيد السادية هتلر !

مع أن الوضع عاد ولم يتغير وكما يقول المثل الدارج عادت حليمة لعادتها القديمة ، ومعرفتي أن هذه العادة لابد لها من وقت طويل ، إلا انني تفائلت عندما تتبعت أحداث التصويت على الدستور الذي حصل على 98% على نعم ، وذلك لأن فئة الشباب كانت مقاطعة التصويت وكان المصوتين من أصحاب الإصدارات الخَرِفة التي تأصلت فيها العسكرومازوخية ، عندما أرى الابناء لا يفقهون لغة الآباء السياسية فهذا يعطيني مؤشر أن الأمور تجري في نصابها الصحيح ، فكما يصف علي الوردي التاريخ بالقدمان التي تقف احدى القدمين لتمشي القدم الآخرى ، فإن كان اصحاب الإصدارات القديمة البالية هي القدم التي تقف فالشباب هم القدم الآخرى التي متجهة للتقدم .

0 التعليقات:

إرسال تعليق