الخميس، 19 نوفمبر 2015

إعتداءات باريس، الجذور والنتائج






لقد إستطاعت أوروبا أن تجعل من قيمة الفرد في مجتمعاتها غالية وقيّمة، وما إن حدثت الإعتداءات في باريس إلا وتناقلت وسائل الإعلام هذه الأخبار واُستنكرت هذه الهجمات من شرق  الكرة الأرضية إلى غربها، توشحت البنايات وصور العرض في حسابات التواصل الإجتماعي بعلم فرنسا، ولا تُلام أوروبا في ذلك عندما جعلت هذه قيمة الإنسان، بينما جعلناها في أسفل السافلين، حيث يموت نفس العدد الناتج من هذه الاعتداءات في الوطن العربي.

في هذا المقال سأسلط الضوء على نقطتين رئيسيتين وهما الجذور والنتائج:

الجذور:

وأقصد بالجذور هنا عن مبررات هذه الإعتداءات من المنطلق الديني، فهناك شريحة تتفق مع هذه الإعتداءات وآخرين لا يتفقون ولكن من حيث لا يدرون هم يتفقوا.

هناك مقولة للشيخ حسن فرحان المالكي يقول بتصرف: لا يمكن هزيمة داعش إلا بالقرآن، وهذه مقولة عميقة، حيث بغير القرآن فإن فكر داعش لا محالة منتصر، وما يحدث اليوم في الوسط الديني فعليًا أن القران أصبح مهجورًا ومهمش، لا عليك من قولهم أن القرآن المصدر الأول في التشريع فهو كلام ليس له حظ من الواقع، حيث أن كتب الحديث وشروحاته وأقوال الفقهاء تعلوا على القرآن، وإذا ما جئنا إلى هذا التراث فإن داعش هي أفضل من يطبقه، فإذا ناقشتهم فيه فسوف ينتصرون.

بعد تبني داعش هذه الإعتداءات ووصفها بالغزوة لاشك أنهم يقصدون الجهاد، وما الجهاد في القرآن إلا في الدفاع عن النفس وليس الإعتداء على إنسان بريء كائن من كان، فالأولى الجهاد في فلسطين، إذ أنها الدولة المعتدى عليها والمحتلة بصورة واضحة لكن مسلم، ولكن احتجوا أصحاب الفكر الداعشي أن قبل تحرير فلسطين يجب تحرير ما جاورها كسوريا والعراق والأردن وتكون لهم قوة وشوكة ثم يبدأ تحرير فلسطين وإلا عد هذا انتحارًا، وقد يكون كلامهم صحيحًا ولكن انطبقت عليهم مقولة: صدق وهو كذوب، فإن بهذا المنطق كيف لك أن تهاجم دولة في أوروبا وأنت لم تستطع بعد تحرير دمشق؟ أم انك زحفت إلى أوروبا وحررت ألمانيا وإيطاليا ولم يتبق لك إلا فرنسا؟

لم يجدوا في القرآن ما يسعفهم فلاذوا بالفرار إلى التراث لأنه حتمًا سيساعدهم فقد اختلط به الباطل، لذلك برروا الهجوم على الدول الغربية على أنه جهاد الطلب، وجهاد الطلب بمعنى هو الهجوم على غير المسلمين في دارهم حتى وإن لم يشكلوا خطرًا عسكريًا ضد المسلمين، فتأمل!

ثم أين أنت من وصية الرسول للجيش عندما قال: “ألا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً، أو امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا معتصماً بصومعة، ولا تقربوا نخلاً، ولا تقطعوا شجراً، ولا تهدموا بناءً” ؟
فكيف بقتل عشوائي بينهم الأطفال والنساء والشيوخ!

ولكن كما أسفلت سابقًا داعش لديها التبريرات التي تحتاجها من التراث الذي امتزج به الباطل، فأي دين هذا الذي يقول لك يجوز أن تقتل الأطفال والنساء؟ للأسف أنه موجود أيضًا في كتبنا لأشخاص بقي شبر والناس سيعبدونهم، فيقول ابن عثيمين في كتاب الجهاد والسير والإمارة، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب":

“تحريم قتل النساء والصبيان في حال الحرب، فإن قيل لو فعلوا ذلك بنا بأن قتلوا صبياننا ونساءنا فهل نقتلهم ؟ 
الظاهر أنّه لنا أن نقتل النساء والصبيان ولو فاتت علينا الماليَّة لما في ذلك من كسرٍ لقلوب الأعداء وإهانتهم ولعموم قوله تعالى:(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) !

ثم ماذا إذا كان بين هؤلاء الناس مسلمين؟ قد يكون بينهم مسلمين، ففي أوروبا هناك ما يقارب 50 مليون مسلم يعيشون فيها؟
مرة آخرى داعش لديه التبرير وسيلقي عليك فتوى التترس بمعنى يجوز قتل قليل من المسلمين لمصلحة أكبر وهي الجهاد، وكأنه دين أتى به بينثام وليس محمد (ص).

لذلك نقول للذين يقولون أن داعش صناعة أمريكية أو غربية أو إيرانية هذا غير صحيح، داعش ليست بدعة وإنما هي صنيعة تراثنا ولكن الفرق بينهم وبين الآخرين أنهم قاموا بتنفيذ هذا التراث.



النتائج:

بعد اعتداءات باريس ما الذي سيحدث أو ما الذي حدث بالفعل، هل سينصب ذلك في مصلحة المسلمين؟ لا بالطبع. لقد لخص الدكتور عدنان إبراهيم في إحدى خطبة هذه النتائج تعليقًا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر بقوله: أنت تفجر برج، هم يحتلوا دولة. وإليك بعض ما حدث:

- كانت أسباب الإعتداءات حسب بيان داعش، أن فرنسا كانت مشاركة في التحالف لقصف داعش وأن سبب هذه الإعتداءات لجعها تتوقف، ولكن بعد الإعتداءات قامت فرنسا بزيادة وتيرة القصف.

- قامت مظاهرات في فرنسا وبعض الدول الأوروبية ضد المسلمين وقاموا بحرق المساجد وأماكن اللاجئين.

- الحكومة الفرنسية تعتزم حل مساجد في فرنسا.

- ناهيك عن التضييق الذي سينصب على المسلمين في أوروبا.

- هذه الإعتداءات تعطي للأحزاب اليمينية الفرصة أكثر للوصول إلى السلطة.

وستفكر أوروبا 100 ألف مرة قبل إستقبال اللاجئين، اللاجئين الذين لم تستقبلهم أي دولة عربية واستقبلها هؤلاء الكفار بالملايين، إني أحزن على وضع اللاجئ والمهاجر الذي اغترب عن وطنه، وقمنا باللحاق به لتنغيص عيشته، بينما هو يعيش في أوروبا آمن مطمئن، ويحصل على الأموال من ضرائب الشعب، فلم نكتفي بالتحريض ببعضنا البعض وقمنا بالتحريض للذين ابتعدوا عنا لقتل من استقبلوهم وعاشوا معهم بأمان.

في المقابل لا أقوم بجعل أوروبا كدول ومجتمعات مثالية، وإن بها سلبيات في نهاية الأمر، الكثير يقولون أن ما فعلته فرنسا أشد وأمّر في شمال أفريقيا، وهذا صحيح ولكن الإعتداء عليهم الآن اشبههُ بمن يريد أن يقتلك لأن جدك السادس عشر قام بقتل جده الخامس عشر، ما زالت عقلية الثأر التي اتى الرسول محمد لإلغائها موجودة، وما التناحر المذهبي الذي نشهده اليوم إلا بسبب رجال ماتوا قبل 1400 سنة!

وفي الجهة المقابلة من بالغ بردة فعله بعد الإعتداءات ووشح صورة عرضه في شبكات التواصل الإجتماعي بعلم فرنسا، وهذه المبالغة لم تكن على مستوى أفراد وإنما دول، فقامت دول بتوشيح مبانيها بالعلم الفرنسي وهي دول عربية، لقد كان الأولى لهؤلاء توشيح مبانيهم منذ الأربعينيات بالعلم الفلسطيني، فلسطين التي لم نناصرها لا نحن ولا داعش ولا الغرب، وهي الأولى بالتعاطف، ولكن كما قلت سابقًا لقد استرخصنا دمائنا ووجدنا ألف تبرير وتبرير ليقتل الأخ أخاه، وأصبح القتل أمر طبيعي في أوطاننا العربية ولم نكتفي بذلك وأردنا تصديره.

يقول الشاعر أحمد مطر:

الإعدام أخف عقاب
يتلقاه الفرد العربي.
أهنالك أقسى من هذا؟
- طبعاً..
فالأقسى من هذا
أن يحيا في الوطن العربي!


اختلفت الأوضاع يا أحمد مطر الآن، فالأقسى من الإعدام هو أن يحيا فقط، بغض النظر عن المكان.


0 التعليقات:

إرسال تعليق