الخميس، 27 أغسطس 2015

سويسرا بين الواقع والمثال (٧) اخدم نفسك بنفسك


خلال تواجدي في سويسرا وتجوالي في مدنها وشوارعها ومحلاتها لفت انتباهي لائحة قد تكررت عليّ مرات عديدة في مختلف الأماكن وهي لائحة self service ، سأقوم بذكر بعض الأمثلة:




- محطات البنزين:

إذا ذهبت إلى محطة البنزين لا تنتظر كثيرًا لكي يأتي شخص ويقوم بتعبئة خزان الوقود لك فهذا لن يحصل، فلا يوجد شخص يقوم بهذه الخدمة وإنما عليك بتعبئة خزان الوقود بنفسك وهي ليست حكرًا على فئة معينة من الناس فيقوم بها من أفقر سويسري إلى أفحشهم ثراءًا.


- المحلات التجارية:

عند دخولك لمحل تجاري كبير ستلاحظ أن عدد المحاسبين قليل مقارنة بسعة المحل ومرتاديه، حيث يضعوك في موقفين لا ثالث لهما، إما أن تقوم بأخذ جهاز ويقوم بمسح ما أشتريته، أي أنك تكون أنت المحاسب وأي شيء تريد أن تشتريه وقبل وضعه في السلة تقوم بإستخدام الجهاز، ثم يظهر لك التكلفة الكلية وما عليك إلا الدفع عن طريق جهاز آخر سواء كان نقدًا أو بالبطاقة المصرفية. أو أنك تختار الخيار الثاني وهو الوقوف في طابور طويل قد يأخذ الكثير من وقتك.
كما أن السلة سوف تقوم بإعادتها بنفسك في مكانها المخصص وإلا ستفقد 2 فرانك سويسري وهو ما يقارب 1.5 ريال عماني، وهذا المبلغ تضعه في السلة حتى تستطيع الحصول عليها والإستفادة منها، فلا يوجد موظف يقوم بجمع السلال وإعادتها إلى أماكنها المخصصة.


- المزارع:

تقوم بعض المزارع بالسماح للأشخاص الدخول في أراضيها وأخذ ما يحتاجونه مباشرة من الشجرة مثل الخضروات والفواكة والورود والأزهار، حيث يقوم المشتري بعدها بالتوجه إلى المحاسب، وفي بعض الحالات لا يوجد محاسب وإنما صندوق يضع المشتري المال فيه بعد أخذ ما يريده حيث تحدد القيمة في بوابة المزرعة وفي النهاية هي مسألة ثقة. تمتاز هذه المزارع بأن منتجاتها رخيصة مقارنة مع نفس المنتجات في المحلات التجارية.


- غسيل السيارات:

فكرة غسيل السيارات في سويسرا هي أن تقوم بدفع مبلغ رمزي حيث تستطيع ركن سيارتك وتقوم بتنظيفها بمفردك في مكان مخصص تتوفر فيها الأدوات اللازمة، أما إذا كنت تريد شخص آخر يقوم بهذه المهمة فإنك تستطيع الحصول على مثل هذه المحلات ولكنها سوف تكلفك بالمتوسط 50 ريال عماني.


-القمامة

لن يقوم أحد برمي قمامتك سوى أنت، حيث أن هناك نظام لرمي القمامة وهو أن تقوم بأخذ القمامة إلى مكان مخصص موجود في كل قرية، وتقوم بفصل القمامة فالبلاستيك له قمامة مخصصة كذلك الزجاج والألمنيوم والأجهزة الإلكترونية والقرطاس والبطاريات، وستقوم بنفسك بتقسيم القمامة ورميها في المكان المخصص لأن هذا أولا وأخيرًا هي قمامتك.

- المهن:

السويسري هو نجار وحداد وسباك وكهربائي وميكانيكي وأشياء أخرى! فهو يقوم بجميع هذه المهن في بيته إذا اقتضت الحاجة فهو الذي يقوم بتشييد السياج وتركيب الأنابيت وإصلاح الخلل الكهربائي أو الميكانيكي لأجهزته، ولقد قابلت سيدة تقوم بإعادة بناء بيت قديم قد اشترته حديثًا ويساعدها زوجها وأبيه في البناء.
وإذا صادف مشكلة خارج نطاق استطاعته استعان بالعامل المحترف والسبب في هذا أن العامل المحترف يتقاضى أجرًا مرتفعًا نظير عمله فهو قبل أن يصبح سباكًا قام بدراسة هذه الحرفة وتعلمها وأخذ دورات فيها في أماكن مخصصة تقوم بتخريج أمثال هؤلاء العاملين وليس مجرد عامل "تعلم الحسانه فوق روس المجانيين!"

إذا ما دققنا النظر حول هذه الظاهرة فسنلاحظ أنها تنبع في المقام الأول لأسباب إقتصادية بحتة، فوجود مهن كالعامل الذي يقوم بتعبئة الوقود أو مجموعة كبيرة من المحاسبين يؤثر مباشرة أولًا في سعر المنتج أو الخدمة وثانيًا في الإقتصاد ككل، ولهذا السبب تجد المنتجات في المزارع إذا قمت بحصادها بنفسك رخيصة مقارنة بالمحال التجارية ذلك وأن إذا قام عامل بحصادها فيتطلب مرتب -وهو مرتب مرتفع- مما يؤدي بشكل طبيعي بإرتفاع سعر المنتج تغطية للتكاليف وإلا ما استفاد التاجر شيء، لذلك يتم الإستغناء عن الوظائف التي يمكن الإستغناء عنها وبالإمكان للأشخاص القيام بها، كذلك الأعمال والتي نعتبرها "بسيطة" يحصل السويسري عليها مرتبات مرتفعة أو تكون مهنة يعيش بها، وبما أنني أسكن في الريف فقد لاحظت أن السويسري ما زال ذلك المزارع الذي يحرث الأرض ويزرعها ويحصد منتوجاتها دون الإستعانة بالعمالة الوافدة -إلا منا ندر- ويمتلك مصانع للألبان ومشتقاتها ويشرف عليها ويعمل بها شخصيًا، صحيح أن بالإستغناء عن بعض الوظائف يقلص فرص العمل ولكن في المقابل إستغلال ما يمكن استغلاله والتمسك بالحرف التي اعتبرناها بسيطة ومنحها الدعم من قبل الحكومة المحلية أو الفيدرالية جعلت السويسري يتمسك بها ولم يسلمها للعمالة الوافدة.

هناك تعليق واحد: