السبت، 8 أغسطس 2015

سويسرا بين الواقع والمثال (٥) الآخر

إذا ما تحدثنا عن العنصرية في أوروبا فهو باب كبير لا يسعه مقال لذا سأتحدث في هذا المقال عن صور العنصرية التي صادفتها أو عايشتها في سويسرا بعد مضي أكثر من شهر من تواجدي في أراضيها وقبل الولجوء إلى صلب الموضوع نضع تعريف بسيط للعنصرية، نستطيع القول أن العنصرية هي اعتقاد أن الفرد لديه صفات وأساليب موروثة تُزرع فيه نفسه عند ولادته طبقًا للعرق أو لجماعة أو دين.




لقد صادفت موقفين قد استطيع أن اضعهما في خانة العنصرية وفق هذا المفهوم البسيط، حيث سأسرد الموقفين وبعدها محاولة فهم الأسباب التي أدت إلى مثل هذه المواقف، حيث ليس الهدف من الموضوع وضع نفسي في موقف الضحية.

الموقف الأول:

كنت جالسًا في القطار متجه من فريبورج إلى مدينة بيرينس تحديدًا شلالات جيسباخفل مع صديقي، وبينما نحن نتحدث أتى رجلان من اتجاهين متعاكسين حتى وصلوا إلى مكان جلوسي، اشهروا بطاقاتهم وكانوا يتحدثون الألمانية حيث لم استطع أن افهم ما يقولون فسألت صديقي عن الذي يحصل فقال انهما من شرطة الحدود ويطلبان بطاقات الهوية، فسلمتهم نسخة من التأشيرة إلا أنهم طلبوا النسخة الأصلية وكان ردي أني لا احملها عندما اذهب لجولات مثل هذه حتى لا افقدها، كان الشرطي السيء يجري مكالمة ليتأكد من التأشيرة، والشرطي الجيد يتحدث معنا وكنا نشرح له اجراءات التأشيرة ..الخ وسألناه عن اسوء الحالات التي نصادفها فقال عليّ التوجه لقسم الشرطة واجراء مسح للبصمة، فلما شعروا أننا نعلم جميع إجراءات التأشيرة غادروا وتأسفوا عن إضاعة الوقت.
مظهر العنصرية في هذا الموقف هو: لماذا تم التأكد من هويتي دون غيري من بين عشرات الأشخاص المتواجدين في القطار؟


الموقف الثاني:

خلال زيارتي لجنيف توقفنا أنا وصديقي في موقف الحافلات، كنت اشاهد البنايات بينما كان يقلب الخارطة لتحديد وجهتنا القادمة في جنيف، تحولت إشارة المرور إلى اللون الأحمر وتوقف السير فإذا برجل في السيارة يدفع ببوق سيارته محاولًا لفت الإنتباه إليه، وضعت يدي على صدري اذا كنت أنا المقصود فأشار إلى صديقي فظننت أنه تائه يحاول الوصول إلى مكان وصديقي لديه الخارطة فلعله يدله على الطريق وكذلك كان تفكير صديقي، فذهب ليتحدث معه وعندما عاد إلي كان يردد: لا أصدق ما كان يقول .. لا أصدق ما كان يقول، فطلبت منه أن يخبرني ماذا قال فأتضح لي أن الرجل قال لصديقي: "انتبه من ذلك الشخص (يقصدني أنا) فهو يحاول أن يسرق محفظتك" فضحكت وقلت: هذا غريب لم يقل أني أنوي تفجير مكتب الأمم المتحدة!

هذين الموقفين يصنفان ضمن نطاق العنصرية إذا ما طبقنا التعريف البسيط سالف الذكر، إذ أن تم الحكم من خلال المظهر على سلوكيات اتملكها، ففي الموقف الأول أني هارب من دولتي متجه إلى دولة أوروبية بطريقة غير شرعية والموقف الثاني لص!
ولكن يا ترى من أين جائت هذه الأفكار حتى يحكموا من مجرد المظهر على ما أنت عليه؟

بالنسبة للموقف الأول فإن أوروبا عمومًا تعاني من اللجوء داخل أراضيها بطريقة غير شرعية ولعل أكثر هذه الفئات هم السوريون فبحسب CNBC العربية فقد : تسبب الصراع السوري بأكبر زيادة في أعداد اللاجئين حول العالم باعتباره “أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم” بحسب مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إذ بلغت أعداد اللاجئين السوريين 3.9 مليون شخص، في حين بلغت أعداد النازحين داخل البلاد حوالي 7.6 مليون شخص العام الماضي، أي ما مجموعه 11.5 مليون سوري.

وقد عقد اجتماع لوزراء خارجية وداخلية الإتحاد الأوروبي للتصدي لمهربي اللاجئين بطريقة غير شرعية، حيث كانت النتيجة في هذا الإجتماع تشديد المراقبة على مثل هذه الحالات.

أما الموقف الثاني وله علاقة بالموقف الأول فإن فكرة السرقة أو الجرائم لم تكن وليدة اللحظة، ففي نوفمبر من عام 2010 وافق 52.9٪ من الناخبين السويسريين على مبادرة "ترحيل المجرمين الأجانب" ويقصد بهذا القانون بالطرد التلقائي من البلاد للأجانب المُدانين بارتكاب جرائم خطيرة، كالإغتصاب والسرقة بالإكراه والإتجار بالمخدرات والإحتيال بغرض سوء استغلال المساعدات الإجتماعية. ولكن من هم الاجانب؟ كما ورد في موقع SWISS INFO بالعربية : ولكن، يا ترى مَن هُمُ الأجانب الذين يتم طردهم من سويسرا؟ يجيب هندريك كراوْسْكوبْف، الخبير لدى المكتب الفدرالي للهجرة بشأن معايير الإبعاد ، في تصريح لـ swissinfo.ch: "هم صنفان من الأجانب: صنف يدخل ضمن إطار اللجوء، وصنف آخر يدخل ضمن إطار القانون الفدرالي بشأن الأجانب" 
ولأكون أكثر وضوحًا وصراحة فإن هندريك كراوْسْكوبْف يقصد بالصنف الأول: الأشخاص من الشرق الأوسط وأفريقيا والصنف الثاني يقصد به الأشخاص من دول أوروبا الشرقية. 
ففي حين تساهلت سويسرا بإستقبال اللاجئين زادت نسبة الجريمة وهذا ما تحاول سويسرا عمله منذ عام 2004 عند ارتفاع نسبة الجريمة وأصبحت مهددة بخسارة لقب دولة الأمان.

يذكر الكاتب محمود لواساني في كتابه: سويسرا الحضارة الصامتة:
" لقد فتحت عيني منذ طفولتي وأنا اسمع من حولي يقولون: (إن المحاكم السويسرية لا تفتح أبوابها إلا مرة كل ستة أشهر) لأن الدعاوى في هذا البلاد تكون منعدمة وكنت أزداد توقًا للمقارنة بين ما عندهم وما عندنا كلما سمعت بعض الظرفاء يعلق على هذا الوصف في نكتة تتلخص في أن هذه المحاكم إنما (تفتح أبوابها كل ستة أشهر بسبب شجار وقع أو جرم ارتكب، وكان وراءه أحد أبنائنا الشرقيين أبان تواجده في سويسرا."

أعود إلى تعليقي الساخر: "هذا غريب لم يقل أني أنوي تفجير مكتب الأمم المتحدة!" لم يكن هذا التعليق اعتباطًا فخلال تواجدي ما الذي كان يجري في دول الخليج العربي؟ ثلاثة تفجيرات في مساجد بالسعودية وتفجير بمسجد في الكويت والعدد في أزدياد ناهيك عن التفجيرات اليومية والقتال الدموي في سوريا والعراق وليبيا ومصر، والشحن الطائفي وداعش والحشد الشعبي ورؤوس تقطع وقلوب تُأكل وقتل الرهائن والأسرى بالجملة والقائمة تطول، إن هذه الصورة الذي كونها الفرد والمجتمع الغربي ناتجة عن أفعالنا وليست مجرد خيال، نحن من قام بزرع هذه الصورة لهم.

إني لا أحاول تبرئة الشعوب الأوروبية -وخاصة في مقالي السويسرية- العصمة من الخطأ أو العنصرية، فهذا بعيد كل البعد عن الموضوعية، لا تكاد تخلو دولة من مظاهر العنصرية كما أن لا يمكن تعميم فعل فرد على الجميع وإلا وقعنا في العنصرية كذلك، ولكن الأهم أن الدولة تكافح هذه المظاهر قدر المستطاع بالقانون وأنا متأكد أن من يواجه تمييز عنصري ويذهب للمحكمة فسينال حقه.

هناك تعليقان (2):