السبت، 15 أكتوبر 2011

الاسلام والديمقراطية [ الخاتمة والمصادر ]


[ الخاتمة ]

ان ما آلت اليه الامة العربية اليوم حالة يرثى لها , في حين ان امم تخرج من الظلام ندخل نحن فيه ونصر على البقاء بين جنبات سواده , نتظاهر باننا نريد الاصلاح واننا على صواب فقط الحظ ليس بجانبنا , هي ليست مسألة حظ وانما مسألة تطبيق .
المشكلة ان " الفوضويون " يرفضون الديمقراطية على اساس انها حكم وضعي , فشنوا عليها حرباً بمألفاتهم بحكم انها مرفوضة وانها لا تؤدي الى نتيجة , وكأن حال الامة العربية بدون الديمقراطية الان فردوس على الارض , ان هذه الحرب في الاساس هي اقرارهم بالواقع الذي يعيشونه وما هو الا تبرير لاقناع انفسهم , فالواقع هو من يملي عليهم افكارهم .

الاسلام والديمقراطية ما هو الا وجهان لعملة واحدة واعني هنا الاسلام الصحيح بتطبيقه والديمقراطية الصحيحة بتطبيقها , الا ان الاسلام الصحيح بتطبيقه قد توقف بعد ان جاءت الملكية المستبدة , فاتت الديمقراطية للحد من هذا الاستبداد .
ان الديمقراطية حملت ما حمله الاسلام من مبادئ ولكن بعد وقت طويل فطرأ التغيير , فكان لابد من تغيير وتكييف الممارسات لتتناسب مع العصر الحديث , ولنا في الشورى مثلاً , مع ازدياد عدد سكان العالم لا يتصور ان تتم ممارسات الشورى مثل ما كانت عليه قبل 1400 سنة , ولكن هذا لا يعني بان نلغيها وانما نطوّر هذه الممارسة لتواكب عصرنا الحديث .

" قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزه اهلها أذلة وكذلك يفعلون "
ان ملوك وحكام العرب اليوم قد اعجبهم الجلوس على الكرسي , ولا يتركوه الا اذا انفصلت ارواحهم عن اجسادهم ,
ولا يريدون ان يجلس على ذلك الكرسي الا هرقل آخر !
ويقوم بدعمهم رجال الدين اليوم , الذين اصبحوا مفتيّ الملوك , فانصرفوا عن انظمة الحكم واصبح شغلهم الشاغل التحليل والتحريم , نسوا او تناسوا ان الدين لا يقوم الا بقيام الدولة , ولكن كيف هو شكل هذه الدولة ؟ لم يعد لدى هذا السؤال اي اهمية سواء كانت دولة ام غابة ام مزرعة فالاهم هو المصلحة  العامة !

ما حدث في الآونة الاخيرة وما زال يحدث من انتفاضة على مستوى الامة العربية , ما هو الا انفجار لضغط قد تولد منذ ازمنة عديدة لتترجم على شكل ثورة تاريخية يشهدها العالم العربي , بعد سنوات من الاستبداد والكبت وسلب الحريات والتضييق على الشعب الذي  انتزعت منه السلطة ليعود من جديد ليسترد هذه السلطة وهو يعلم انه لن يستردها الا عن طريق الديمقراطية , لهذا كنت في مقدمة مطالب الثورات " نظام ديمقراطي " .


[ المصادر ]

- حقيقة الديمقراطية :
محمد شاكر الشريف

- مذاهب فكرية معاصرة :
محمد قطب - دار الشروق

- الحرية أو الطوفان :
د. حاكم المطيري 2003

- فلسفة القانون وتاريخة :
د. حسن عبد الحميد محمود - الطبعة الاولى 2006

- النظم السياسية والقانون الدستوري :
ابراهيم عبد العزيز شيحا

- هوبس : فلسفة , علم , دين :
ترجمة اسامة الحاج - الطبعة الاولى 1993 - المؤسسة الجامعية للدراست والنشر والتوزيع

- الشورى فريظة اسلامية :
علي محمد الصلابي - دار ابن كثير - سوريا

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

الاسلام والديمقراطية [ الكنيسة ورجال الدين ]


5- الكنيسة ورجال الدين :

قبل الثورة الفرنسية كانت الكنيسة تتفنن في الطغيان , فكانت هي السبب الرئيسي لاستبداد الشعب باسم الدين , وذلك  بمنح الملوك الحكم المطلق فقوله مسموع وامره مطاع ولو قال ما قال وامر ما امر .
ومن ناحية اخرى ترهيب الناس اذا ما اطاعوا الملوك فهناك عذاب ينتظرك بعد الموت ان عصيت الملك . فاكتسبوا الملوك الصلاحيات المطلقة من الكنيسة وكل هذا كان باسم الدين من خلال تأويل الدين وتحريفه , فزعمت الكنيسة ان المسيح - عليه السلام - قد اعطى قيصر شرعية الوجود " اذاً اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " وكأنهم ظل الله في الارض .
فانتشر في اروبا تلك الفترة كل انواع الفساد فنشات مظالم سياسية واقتصادية واجتماعية وتمثلت في نظام الاقطاع الذي ساد العالم الاروبي اكثر من عشرة قرون .
الى ان اشرق فجر الثورة فجر الحرية في عام 1789 لتلغي الملكية المطلقة وامتيازات الطبقة الاستقراطية ونفوذ الكاثوليكي , لتقوم هذه الثورة لفرض العدل والمساواة .
ومن اهم زعماء الثورة مونتسكيو صاحب مبدأ الفصل بين السلطات وجان جاك روسو صاحب نظرية العقد الاجتماعي وفولتير الذي انتقد التفاوت الطبقي , لتحل الديمقراطية محل الدكتاتورية .

اذاً كانت الثورة تريد تطبيق حكم المدينة فارتدت الى تراثها الاغريقي الروماني , ولكن السؤال المطروح والذي سأنطلق منه :
لماذا لم تلجأ الى الاسلام في ذلك الوقت ؟

في ذلك الوقت لم يكن المسلمون افضل حالاً , لما شهد العالم الاسلامي شدة في التراجع عن مبادئ تعاليم الدين المنزل في الخطاب السياسي حيث بدأ التأويل الظاهر على النصوص والاستدلال الغير صحيح , قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول من يغير سنتي رجل من بني أمية " [ سلسلة الاحاديث الصحيحة ] وقال الالباني : لعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثه وهو الظاهر .
فتمت مصادرة حق الامة في اختيار الامام وتحول الحكم من شورى " ديمقراطي " الى وراثة " ملكي " واصبح الحكم حكم قيصر وكسرى بعد ان كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول :  " اني وليت عليكم ولست بخيركم , فان احست فاعينوني وان اسأت فقوموني " وبعد ان قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " الامارة شورى من المسلمين من بايع رجلاً دون شورى المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه " وبعد ان قال علي - كرم الله وجهه - : " ايها الناس انما الامير من امرتموه " .
فانزلق الخطاب السياسي منزلق خطير بمصادرة حق الامة وجعلها هرقلية يبايعون ابنائهم وكلما مات هرقل قام مكانه هرقل .

فمع هذا التغيير الواضح هل رضي الفقهاء بما حصل ؟

في البداية ولاول تغيير ولاول ولي عهد لما اراد معاوية - رضي الله عنه - ان يبايع الناس ابنه يزيد اعترض عليه كبار الصحابة وفقهائهم وكان من بينهم : عبد الله بن عمر , عبد الله بن الزبير , عبد الله بن عباس , عبد الرحمن بن ابي بكر , والحسين بن علي .
فاضطربت امور الدولة كلها بسبب الخطاب السياسي الجديد فكانت دعوة اهل المدينة ومكة ( الرضا والشورى ) فقد كانت الشورى تعني حق الامة في اختيار الامام ومشاركته في الرأي فلا شورى مع الاستبداد والاكراه السياسي .

الا ان هذا الاعتراض تلاشى شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن الى ان اصبح الفقهاء يقرّون بهذا التغيير , فكان للفقهاء ورجال الدين دور في اعطاء الملوك صلاحيات لا ينبغي ان تكون لهم وذلك من خلال اختزال المبادئ و تأويل النصوص و الفعل السلبي وهو الصمت وترك حقوق الامة مبعثرة .

فتم اختزال مفهوم الشورى تدريجياً , فاصبحت الشورى قاصرة على مشاركة الامة الامام في الرأي ثم تم اختزالها لاستشارة الامام اهل الحل والعقد دون الالتزام ثم تم اختزالها مرة اخرى على انها غير واجبة على الامام فان شاء فعل وان شاء ترك .

اما تأويل النصوص فقد وظفوا النصوص لواقع عصرهم لا لمبادئ الخطاب السياسي الاسلامي , فاصبح الواقع هو الذي يملي على مفاهيمهم من اجل اضفاء الشرعية عليها , ولم يكتفوا بذلك وحسب بل بترهيب الناس بفتاوى لا تجيز الخروج على الحكام او حتى التظاهر ولا اضعف من هذا , بل حتى لا يجوز نصحة وكله باطل شرعاً وستحاسب عليه ما بعد الموت , حتى وان كان الملك طاغية لا يراعي حقوق الشعب ومصالحه , مهما فسد في الارض وفسق فيها وسلب الحريات وهذا كله تحت شعار الدين والمصلحة العامة .
وشنوا حروباً على انظمة الحكم على انها وضعية قد وضعها البشر باستثاء الملكية الاستبدادية وكأنها هي الاخيرة الحكم السماوي المتمثل في تعاليم الدين الحنيف .

اما بالصمت واقرارهم الضمني بالاستبداد الحاصل نسوا أو تناسوا بأن هناك حقوق وحريات سلبت حتى حرياتهم هم ! 
واصبح الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مقتصر على المستضعفين في الارض اما الملك فهو اله لا يُسأل .

رغم ان رجال الدين والفقهاء لا يملكون نفوذ كنفوذ الكنيسة الكاثوليكية قبل الثورة الا انهم لعبوا نفس الدور , وذلك أولاً باقرارهم بالملكية ثم اعطاء الملوك الحكم المطلق ثم ترهيب الناس , لتتشكل نتيجة واحدة وهي الاستبداد والفساد المطلق .

لقد كان ماركس محقاً عندما قال : " الدين افيون الشعوب " ولكن ليس الدين المنزل , وانما الدين المحرف المؤول الذي تم اختزاله لمصالح سياسية لتخدم الحكام .
بعد انقشاع الظلام في اروبا لم يرغبوأ ان يدخلوا الباب الذي قد خرجوا منه !
فلو رجعوا الى الاسلام في ذلك الوقت لرجعوا مرة اخرى الى الملكية الاستبداية والتي يدعمها رجال الدين , فيعيدون التاريخ مرة اخرى مع ملوك اروبا والكنيسة .

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

الاسلام والديمقراطية [ الفصل بين السلطات ]


4- الفصل بين السلطات :

يتكوّن النظام السياسي من ثلاث سلطات رئيسية وهي السلطة التنفيذية ووظيفتها تنفيذ القوانين , والسلطة التشريعية ووظيفتها سن القوانين , والسلطة القضائية ووظيفتها الفصل بين المنازعات .


فمن أهم مبادئ الديمقراطية هو مبدأ الفصل بين السلطات , حيث لا تكون هذه السلطات الثلاث متمركزة في يد شخص واحد فقط , والا ترتب على ذلك سلطة مطلقة بالتالي فساد مطلق وسيرجع هذا الاثر على الافراد بسلب حقوقهم وحرياتهم , فكما يقول جوستفان لوبون : " السلطة نشوة تعبث بالرؤوس " فما بالك بالسلطة المطلقة !

كذلك لن تكون للقوانين اي اهمية تذكر فبامكان اليد الواحدة سن القانون وتنفيذه لاهداف شخصية لا تتعلق بالمصلحة العامة , لهذا جاء هذا المبدأ للحد من استبداد الحكام .


اذا ما رجعنا الى الاسلام والى عصر الخلفاء الراشدين سنجد ان هذه الثلاث سلطات موجودة كذلك منفصلة , فلا تتدخل سلطة في شئون سلطة اخرى .

فكانت السلطة التنفيذية متمثلة في مؤسسة الخلافة , والسلطة التشريعية متمثلة في كتاب الله والسنة النبوية , والسلطة القضائية متمثلة في القضاة .



وكان من الواضح ان هناك فصل بين هذه السلطات , فلا يستطيع الخليفة عدم تنفيذ او تعطيل او تشريع الاحكام - السلطة التشريعية - , كما كان القضاء يتمتع باستقلال كبير لانه يستند الى الكتاب والسنة - السلطة التشريعية - بدون تدخل من السلطة التنفيذية , فلا وجود سلطة مطلقة في الاسلام وانما لكل سلطة مهامها واختصاصها .

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الاسلام والديمقراطية [ الانتخاب والشورى ]


3- الانتخاب والشورى :

مما لاشك فيه ان الانتخاب في النظام الديمقراطي يعد ركيزة اساسية , حيث بامكاننا ان نقول لا ديمقراطية بلا انتخاب , حيث ان الانتخاب هي عملية يدلي الناس باصواتهم لمترشح سواء كان شخص أو مجموعة تنوب عنهم وذلك حسب النظام الديمقراطي المتبع لدى الدولة .
وبغض النظر عن اذا ما كان الانتخاب يعتبر حق أو وظيفة فهو في النهاية يعد من اهم الممارسات السياسية .

ما اود قوله هو ان الانتخاب والمجالس البرلمانية ما هي الا اسلوب ونظام مطوّر من مدرسة الشورى الاسلامية , الشورى التي غابت تماماً عن الدول الاسلامية اليوم واذا كانت متواجدة فهي متواجدة بشكل صوّري .
وبامكاننا القول ايضاً في الشورى انه لا دين بلا دولة ولا دولة بلا امام ولا امام بلا عقد ولا عقد بلا برضى ولا رضى بلا شورى .

ولا ينكر مكانة واهمية  الشورى في الاسلام الا جاهل , وهذا الجهل اما جهل بالقرآن أو بالسيرة النبوية والتاريخ الاسلامي , ففي القرآن الكريم هناك سورة سميت بالشورى وما سميت بالشورى الا لمكانتها , وهناك آيات ذكرت الشورى مثل قوله تعالى : " وشاورهم في الأمر " وقال ايضاً : " وامرهم شورى بينهم " .

اما الشورى في السيرة النبوية فهي كثيرة ومتنوعة فترى ما يتعلق بالجانب السياسي وشؤون الامة وكذلك الجانب الاجتماعي , وسأذكر عدة امثلة على سبيل المثال لا الحصر لعدة المواقف استشار فيها النبي اصحابه :

1- الشورى يوم بدر :

- استشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - اصحابه من المهاجرين والانصار في الخروج لقتال قريش , فابدى بعض الصحابة عدم ارتياحهم للمواجهة ولكن اجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة المواجهة ثم تلاهم الانصار .

- مشورة الحباب بن المنذر في بدر :
عندما قاد الرسول الجيش الى ادنى ماء من مياه بدر , قال له الحباب بن المنذر : امنزلاً انزلكه الله ؟ ام هو الرأي والحرب ؟ , فقال رسول الله : بل الرأي والحرب , قال : يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي ادنى ماء من القوم - ويعني المشركين - فاخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - برأيه ونهض بجيشه حتى اقرب ماء من العدو .

- مشاورته - صلى الله عليه وسلم - في اسرى بدر :
فقد تشاور الرسول مع أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب حول مسأله اسارى بدر 

2- الشورى في غزوة احد :

فقد جمع الرسول - صلى الله عليه وسلم -اصحابه وشاورهم في البقاء في المدينة أو الخروج الى ملاقاة العدو , وكان رأي النبي البقاء في المدينة , الا ان كثير من المسلمين كانوا يريدون الخروج لملاقاة العدو , فدخل الرسول ولبس لامته فتبعه حمزة فقال يا رسول الله ان القوم تلاوموا فقالو : امرنا لامرك , فقال رسول الله : ( انه ليس لنبي اذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل )

3- الشورى في غزوة الاحزاب :

- في حفر الخندق :
تشاور الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع اصحابه في كيفية المواجهة للاحزاب وكان رأي سلمان الفارسي بان يحفر خندقاً حول المدينة فأخذ النبي برأيه وامر بحفر الخندق 

- الشورى في محالوة الصلح مع غطفان :
حاول النبي تخفيف حدة الحصار على احزاب المدينة بعقد صلح مع غطفان , فاستجاب القائدان الغطفانيان عيينه بن حصن والحارث بن عوف وشرع الرسول في مفاوضتهم , وكان من بين البنود المتفقه يدفع المسلمون لغطفان " مقابل ذلك " ثلث ثمار المدينة كلها بمختلف الانواع , وقبل عقد الصلح شاور الرسول اصحابة في هذا الامر فكان رأيهم عدم اعطاء غطفان شئ من الثمار فأخذ الرسول برأيهم وتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها .

4- الشورى في صلح الحديبية :

حيث أخذ الرسول برأي ام سلمة بعدما قال لاصحابه قوموا فانحروا واحلقوا حتى قال ذلك ثلاث مرات فلم يقم منهم احد , فدخل على ام سلمة وذكر لها ما لقي من الناس فقالت : أخرج ثم لا تكلم احد منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك , فخرج فلم يكلم احد حتى نحر ودعا حالقه , فلما رأو ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض


هذه هي بعض المواقف على سبيل المثال لا الحصر على الشورى في عصر الرسول ومدى اهميتها , وان هذه الشورى كانت مقترنة مع حرية ابداء الرأي والاخذ برأي المرأة كذلك كما اخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأي ام سلمة , ورغم انه - صلى الله عليه وسلم - هو القائد كان يأخذ برأي اصحابه بل واخذ برأي الاغلبية في غزوة احد بالخروج رغم انه كان يريد البقاء , فكان الرسول يعلّم اصحابه مبدأ الشورى فسار اصحابه على هذا المبدأ بعد وفاته , حيث صوروا لنا مشهد تاريخي حيث اجتمع المهاجرون والانصار ( حزبين ) في سقيفة بني ساعدة ودار بينهم الحوار الذي اشبه بما يكون حوار سياسي , وخرجوا بنتيجة ولم يحاول احد منهم ان يفرض ارائه فرضاً , وكانت الاغلبية الساحقة قد اختارت ابو بكر الصديق فخرج للناس وخطب خطبته الشهيرة .

فكما ان الشورى ذات اهمية في الاسلام كذلك الانتخاب في الديمقراطية والانتخاب يعد منظومة مطورة حتى تتواكب مع العصر الحديث فمثل ما ينصب الخليفة على المسلمين بالشورى كذلك في الديمقراطية يتم تعيين الحاكم بالانتخاب .
ومثل ما ان اهل الحل والعقد هم سراه الامة ويتبعهم الناس فيما يقررونه والمطالبون بجميع مصالح الامة , كذلك بالنسبة لاعضاء البرلمان او النواب , يتم ترشيحهم من قبل الشعب لرعاية مصالحهم والنظر في امورهم وهو يمثلون صوت الشعب , قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انا لا ندري من رضي ممن لم يرض فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم امركم " يقول ابن اثير : والعرفاء جمع عريف وهو القيّم بامور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي امورهم ويتعرف الامير منه احوالهم .

وكما أن الرسول اخذ برأي الاغلبية في غزوة احد فكذلك في الاستفتاء الشعبي ياخذ برأي اغلبية الناس .
فرغم هذه المواقف التي تبين اهمية الشورى حاول البعض الطعن في مكانتها لاسباب مذهبية وسياسية , ولكن ما يهمني الآن هي الاسباب السياسية .

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

الاسلام والديمقراطية [ نظرية العقد الاجتماعي ]


2- نظرية العقد الاجتماعي :

ان من اهم نظريات الديمقراطية هي نظرية العقد الاجتماعي ومن اشهر الفلاسفة الذين حملوا لواءها هم : هوبز , لوك , روسو .
ويُلاحظ ان كل واحد من هؤلاء الفلاسفة كان له تفسير معين متأثراً بالافكار السياسية الخاصة في وقته .

الا انهم اتفقوا حول اساس نشاة الدولة والتي مقتضاها ان انتقال الافراد من حياة الفطرة الى حياة الجماعة قد تم بناءه على عقد اجتماعي بقصد اقامة السلطة الحاكمة .

ونظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو - وهو فيلسوف فرنسي - ان حالة الافراد في حياتهم الفطرية الاولى ان الانسان خير بطبعه , وهو مولود حراً فاضلاً تسود حياته الحرية والمساواة الطبيعية , وان هذه الحياة ما لبثت ان تتغير نتيجة تقدم المدنية وتعدد المصالح وتضاربها , وزاد الامر تعقيداً ازدياد التفاوت في الثروات بين الافراد , ففقدت بالتالي المساواة الطبيعية التي كانوا ينعمون بها في حياة الفطرة الاولى , وشقت حياتهم نتيجة قيام التنافر والحروب بينهم .

ولا ينكر روسو ان حالة الانسان الطبيعية الاولى حيث كان يسودها الحرية والمساواة كانت احسن حالاً منها في ظل الجماعة وذلك لم يتركوها الا مضطرين نتيجة تعارض المصالح وتضاربها .

ويجيب روسو على تساؤل طرحه وبه كلام مهم جداً حيث يتسائل : [ لقد ولد الانسان حراً ومع ذلك نراه اليوم مكبلاً فما سر هذا التحول ؟ ]
واجاب على ذلك : [ بان الالتزام الاجتماعي والخضوع للسلطة لا يمكن ان يكون اساسه القوة أو حق الفتح أو الغزو , فالالتزام الاجتماعي والخضوع للسلطة لا يمكن ان يقوما الا على اساس الاتفاق الحر بين افراد الجماعة وهذا الاتفاق هو الذي ينقلهم الى حياة الجماعة ...]

وهذا ينتج اثراً للعقد وهو انه طالما كان اصل السلطة أو الدولة وهي ارادة الجماعة - اي ان الاتفاق الاجتماعي والسيادة مردها الجماعة -  فانه لا يتصور ان تكون سلطة الحكام الا سلطة مقيدة ومن ثم يكون للافراد حق عزل الحكام اذا ما استغلوا سلطتهم ومسوا حقوق الافراد واعتدوا عليها .

هذا مجمل نظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو .

فهاجم البعض هذه النظرية - والتي هي من اهم نظريات الديمقراطية - بقصد مهاجمة الديمقراطية انها تنطلق من تصور كفري الحادي وذلك لان النظرية تصور ان الناس وجدو من غير خالق لهم وانهم وجدو بغير شريعة هادية أو قانون حاكم .

والمشكلة هُنا انهم عاملوا النظرية على اساس انها مشهد تاريخي ولم يعاملوها على اساس انها نظرية !
بل ان التاريخ الاسلامي سبق هذه النظرية من الناحية التطبيقية الملموسة .

فعندما يقول روسو : [ ان الانسان يولد حراً ] فقد سبقه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما قال : [ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً ] .
وعندما يقول روسو : [ الاتفاق الحر بين الجماعة ] , فقد سبقه المسلمون بمباعية أبو بكر الصديق كخليفة للأمة بعقد حقيقي .
وعندما يقول روسو : [ لا يتصور ان تكون سلطة الحكام الا سلطة مقيدة ومن ثم يكون للافراد حق عزل الحكام اذا ما استغلوا سلطتهم ومسوا حقوق الافراد واعتدوا عليها ] فقد سبقه الخليفة الاول أبو بكر الصديق بقوله : [ ايها الناس اني وليت عليكم ولست بخيركم فان احسنت فاعينوني وان اسأت فقوموني ]

فاركان النظرية وآثارها كأنها مستمدة من هذه المشاهد التاريخية للعالم الاسلامي وتوضح مدى تطابق ما قاله روسو وكأنه يصف الخطاب الشرعي المنزل قبل تأويله وتبديله .

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

الاسلام والديمقراطية [ القرآن دستور ]


تعريف الديمقراطية :

لغوياً الديمقراطية مكونة من كلمتين مشتقتين من اليونانية 
الاولى : demos وتعني عامة الناس
والثانية : kratia وتعني حكم
ففي المجمل معناها حكم الشعب أو سيادة الشعب

ومن هُنا خُلقت مشكلة , حيث ان التعريف اللغوي وهو " حكم الشعب " يتعارض مع المبدئ التشريعي وهو " الحكم لله " وبهذا قال البعض ان الديمقراطية تتعارض مع الاسلام بمجرد التعريف اللغوي وبدون الرجوع الى نتائج ومبادئ هذا التعريف وما يترتب عليه .

سأضع عدة نقاط تكمن فيها مكامن الالتقاء :

1- القرآن دستور :

يهاجم البعض الديمقراطية كونها تستمد السلطة من الشعب وهذا تعارض مع الحكم الاسلامي اذ ان الكلمة العليا هي لله ويكون التشريع له وحده لقول الله تعالى : " ان الحكم الا لله " وهنا اسلوب قصر , وقوله ايضاً : " لا يشرك في حكمة احدا " .

ونرد على هذا الكلام : ان القرآن الكريم جاء باحكام كلية ومبادئ اساسية فاغلب ما ورد في القرآن الكريم من احكام انما هي احكام كلية وقواعد عامة تجب مراعاتها والاعتماد عليها , فلم يتعرض القرآن للتفصيلات أو الجزئيات في الاحكام المتصلة بالقوانين لاختلافها باختلاف البيئات وتغيرها بتغير المصالح .


فقررت النصوص القرآنية مبادئ اساسية وهي تتفق تماماً مع خصائص الديمقراطية كالشورى , والعدل , والمساواة .


واذكر فيما يلي بعض هذه الآيات :


- ضرورة الشورى : " وشاورهم في الامر "
- مبدأ العدل : " واذا حكمتم بين الناس ان تحكمو بالعدل "
مبدأ المساواة : " انما المؤمنون اخوة "
- حق ابداء الرأي : " قد سمع الله قول التي تجادلك "
- عدم المساس بأمن المحايدين :  " فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "
- الرابطة الانسانية وانها فوق اعتبار الجنس والنوع : " يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء "


اليس من خصائص الديمقراطية الانتخاب كما هي الشورى !
وان الناس متساوون لا فرق في اللون او الجنس او الطبقة !
وان تصان الحرية وكذلك تصان حقوق المعارضة !


فأين التعارض بين المبادئ التي جاء بها القرآن وخصائص الديمقراطية !

اما في مسألة الفروع : لا انكر ان لابد ان نستمد " اصول الاحكام " والمبادئ الاساسية من القرآن الكريم وان حكم الشعب يجب ان لا يتعارض مع حكم الله , لان الديمقراطية كذلك حكم الاغلبية , ففي بلد اسلامي لا يتصور ان يجمع غالبية الشعب لمخالفة حكم الهي صريح !
والرسول الكريم يقول : " لا تجتمع امتي على ضلالة " .

ثم ان الشريعة الاسلامية شريعة مرنة صالحة لكل زمان ومكان , اخرج مسلم في صحيحه ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يلقحون النخل فقال لهم :  "لو لم تفعلوا لصلح " . قال فخرج تمراً رديئاً , فمر بهم وقال : " ما لنخلكم " ؟ , فقالوا : قلت .. كذا .. وكذا , قال : " انتم اعلم بامور دنياكم " .

وهذا اقرار من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ان بالامكان الاجتهاد في الامور الدنيوية بما يناسب الناس وينفعهم .

النقطة الاخرى القرآن مختلف في تفسيره وكذلك المدارس الفقية , فاي طريق يجب ان نتبع !؟

فكما يقول هوبز : [ ... في حين يكون مقطع توراتي غامضاً من يفسره ؟ اذا كان في وسع كل واحد ان يفعل ذلك ( وترجمه التوراة الى اللغة العامية تدفع الى اتجاه تمكن اي كان من ذلك ) سنكون في الحال ازاء تعدد في القراءات , كيف يتم الاختيار فيما بينها ؟ هل سيتم الاستنجاد بالعقل ؟ او سيتم اتخاذ القرار لان احدى هذه القراءات اصوب من غيرها ؟ او انه سيكون من حق كل واحد ان يؤسس بدعته الخاصة المتحلقه حول تفسره ؟ يقول البعض ان هذه الامكانية الاخيرة تقود بسرعة الى الحرب الاهلية او على الاقل الى الفوضى الدائمة .... ]

وبالفعل هذا ما نواجهة !

وعند الاشاعرة بقولهم : أن العقل الانساني اقل قدرة من العقل الالهي وبالتالي فان الانسان غير قادر على فهم ارادة الله في خلقه , فالعقل الانساني غير مؤهل الا لفهم ما هو انساني فقط , فبحسب هذا الاتجاه فان الانسان وجب عليه مراقبة الطبيعة والكون لاستخراج القوانين , وهذا ما دُلل عليه القرآن بالتدبر في الكون في اكثر من موضع .

الاسلام والديمقراطية [ تمهيد ]


[ تمهيد ]

ان المتتبع لاحوال الدول الاسلامية اليوم سيرى ذلك التراجع الكبير في مختلف المجالات , والمتتبع اكثر لها سيرى انها لا زالت في تراجع , فهي الى الان لم تستقر في نقطة حتى تبدأ التقدم من جديد , وعندما اقول من جديد اي انها كانت متقدمة في يوم من الايام , كيف لا ولقد عاشت الدولة الاسلامية قمة الازدهار في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي .

ولكن .. اصبحنا وكأننا في القرن الرابع عشر ولا زلنا نتدرج في النزول وبالطبع الى المجهول .

والسبب في ذلك هو نفس السبب التي كانت عليه اروبا في نفس القرن , انه التحريف .. تحريف الدين .
وان صح القول ايضاً انه التأويل والتبديل .. 
ليست هذه المشكلة وحسب وانما الاصرار على الخطأ وعدم الاقرار به
ونسوا ان عليهم الاعتراف بالخطأ اولاً ثم يبدئ التغيير , وهكذا نكون قد خرجنا من عصرنا المظلم 
الذي اقرينا بأن نعيش احداثه ..

ما استحدث عنه هو الاسلام والديمقراطية
وانك اذا ما رفضت الديمقراطية بمفهومها الصحيح , فانك ترفض الخطاب السياسي
الشرعي المنزل , وسأوضح خلال حديثي مدى ارتباط الديمقراطية بالاسلام 
وما الديمقراطية الا مأخوذه من تعاليم الاسلام المنزله وليست " المؤوله " أو " المبدله " ..

يتبع ,,,